الوجوب والأصل البراءة ، وغاية ما يعطيه نيّة الردّ هو جواز الأخذ لا وجوبه ، وفتوى الأصحاب بحرمته منزّلة على ما لو أخذها للأكل والتصرّف لا للردّ ، فالوجوب يحتاج إلى الدليل.
وتوهّمه من أنّ مال المسلم محترم فيجب حفظه وطريقه هنا الأخذ من الظالم الغاصب للإيصال إلى صاحبه ، يندفع بعدم العثور على دليل عامّ يقضي بوجوب الحفظ على هذا الوجه ، ولذا لا تجد في كلامهم الإفتاء به ، بل الموجود في كلام جماعة إطلاق الإفتاء بحرمة الأخذ وعموم نفي السبيل عن المحسن ، أقصاه الجواز أو هو مع الرجحان لا الوجوب ، ثمّ إن أخذها يجب عليه ردّها على المالك فوراً ويسقط الفوريّة بإعلامه به.
وهل يعتبر في الردّ الإقباض؟ قيل : ظاهر أدلّة وجوب ردّ الأمانة وجوب الإقباض إلّا أنّه ذكر غير واحد (١) ـ كما عن التذكرة (٢) والمسالك (٣) وجامع (٤) المقاصد ـ أنّ المراد بردّ الأمانة رفع يده عنها والتخلية بينه وبينها. وهو الوجه ، لصدق الردّ بذلك عرفاً ، ولأنّ الردّ إنّما وجب من جهة حرمة حبسها عن مالكها ويرتفع ذلك بالتخلية ورفع اليد ، ولكن يعتبر كونهما على وجه وفي موضع يتمكّن المالك من القبض ، وحينئذٍ خرج آخذها عن ضمانها ، فإذا تلف فيما بينهما وقبض المالك بعد تمكّنه من القبض لا شيء عليه ، هذا كلّه إذا عرف المالك.
وأمّا إن جهله فالفاضلان في الشرائع (٥) والتذكرة ٦ وجماعة ممّن تبعهما أطلقوا الحكم بأنّه تصدّق بها ، ولعلّه منزّل على صورة اليأس عن معرفة المالك حصل ابتداءً أو بالفحص ، لأنّه حكم مجهول المالك كما ذكروه فيه في مواضع كثيرة من غير خلاف يظهر ، مع كونه في عدد غير محصور ولذا قيّد الشهيد في المسالك (٧) عبارة الشرائع باليأس من معرفته ، وأفرد عنه ما لو اشتبه المالك في قوم محصورين ، وتبعه بعض مشايخنا (٨).
وعلى هذا فينبغي التكلّم في مقامين:
__________________
(١) : الكفاية ١٣٣ ، والحدائق ٢١ : ٤٢٦.
(٢ و ٦) التذكرة ٨ : ١٥٢.
(٣) المسالك ٥ : ٩٧.
(٤) جامع المقاصد ٦ : ٤٣.
(٥) الشرائع ٢ : ١٣.
(٧) المسالك ٣ : ١٤١.
(٨) المكاسب ١ : ١٨٨.