وردّ بأنّه حسن لو لا إطلاق الأمر بالتصدّق في النصوص ، فهي حاكمة على عمومات ولاية الحاكم على مال الغائب في مجهول المالك.
وتوهّم : أنّ الأمر بالتصدّق من باب إذن الإمام في أمر يرجع ولايته إليه فيكون من التصرّف بطريق الأمانة ، يدفعه : ظهور الأمر في كونه على وجه الفتوى ، فيكون حكم الله العامّ في واقعة مجهول المالك هو وجوب التصدّق على كلّ من هو بيده ، مع أنّ الأصل في تصرّفات المعصوم الدائرة بين الفتوى والإمامة ـ على ما حقّق في الاصول ـ كونها على وجه الفتوى ، لأنّها الغالب على المعصومين ، ولأنّه منصوب لتبليغ الأحكام.
نعم قد يقال : يجوز الدفع إليه من حيث ولايته على مستحقّي الصدقة ولأنّه أعرف بمواقعها ، ولكنّه لا يوجب التعيين بل أقصاه الجواز أو هو مع الرجحان.
وربّما قيل بالثالث كما عن الحلّي ناسباً للقول بالتصدّق إلى رواية أصحابنا ، ولعلّه بناءً منه على طريقته في أخبار الآحاد من عدم الحجّية ، فلا مناص من حفظ مال الغير بإبقائه أمانة والوصيّة به لئلّا يتلف ، والتصدّق تصرّف غير مأذون فيه. فيتّضح ضعفه حينئذٍ بما حقّق في الاصول ، من الحجّية عند اجتماع شرائطها خصوصاً مع انجبارها بالشهرة كما فيما نحن فيه ، فالرواية الّتي أرسلها وإن كانت مرسلة إلّا أنّها مجبورة بالشهرة فتصلح مستندة ، وضعّف أيضاً بأنّ إبقاء المال أمانة تعريض لها للتلف ولا يرضى به المالك البتّة.
وعلى هذا فتعيّن المصير إلى الرابع ، وهو المشهور ، للروايات المستفيضة الآمرة بالتصدّق الواردة في موارد مختلفة وإن اختصّ بعضها بمورد إلّا أنّه يظهر من ملاحظة المجموع أنّ هذا هو حكم مجهول المالك بعنوانه الكلّي :
منها : ما تقدّم (١) من رواية عليّ بن أبي حمزة في رجل من كتّاب بني اميّة.
وخبر إسحاق بن عمّار قال : «سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها قلت : فإن لم يعرفوها قال : يتصدّق بها» (٢).
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ٥٠٠ الرقم ١.
(٢) الوسائل ٢٥ : ٤٤٨ / ٣ ، ب ٥ أبواب اللقطة ، التهذيب ٦ : ٣٩١ / ١١٧١.