ولا الاستشفاء به ، ويؤيّده إطلاق قوله تعالى : «قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما» (١) بناءً على أن يكون المراد من منافع الخمر ما يعمّ منفعة التداوي من البرء والشفاء ، فقوله : «إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما» يعني به أنّ التداوي بالخمر مع حصول النفع به إثم وهو لشدّة عقوباته الاخرويّة أو لعظم مفاسده الدنيويّة أكبر من النفع الحاصل به.
الثاني : أن تكون الأخبار المذكورة مسوقة لبيان أنّ الفائدة المطلوبة من التداوي لا تحصل به أبداً ، وما يرى في بعض الأحيان من مصادفة التداوي به لحصول البرء والشفاء فإنّما هو لضرب من المقارنة الاتّفاقيّة من غير مدخليّة وتأثير له فيه ، فيكون فعله اثماً صرفاً خالياً عن الفائدة المطلوبة ، وربّما يشير إليه قوله عليهالسلام في قصّة امّ خالد : «فإنّما تندمين ...» الخ ، وفي نسبة القتل في عدّة من الأخبار إلى الخمر أيضاً إشارة إلى ذلك. وعلى هذا فيكون الجعل المنفيّ فيما تقدّم عبارة عن الجعل التكويني على معنى خلوّه عن الدواء والشفاء بالمرّة.
الثالث : أن تكون الأخبار مسوقة لبيان عدم حصول الاضطرار للمسلم إلى التداوي به قطّ ، لعدم انحصار طريق العلاج فيه بل له طريق آخر ولو نحو التوسّل بالدعاء فإنّه شفاء من كلّ داء ، كما يشير إليه خبر عليّ بن أسباط أو التربة الحسينيّة عليهالسلام كما يظهر من أخبار الاستشفاء بها ، أو زوال المرض بنفسه بتفضّل من الله فيمن تحرّز عن التداوي به خالصاً لوجهه ، ففيما تخيّل الإنسان اضطراره إليه بمظنّة انحصار الطريق فيه فهو وهم من الشيطان ، فإذا يئس ذهب فحصل البرء تفضّلاً من الله ، كما يشير إليه خبر ابن أبي يعفور. وفي خبر سيف بن عميرة أيضاً إشارة إلى عدم اتّفاق الاضطرار بعدم اتّفاق الانحصار قطعاً ، فيكون الجعل المنفيّ في التعليل المتقدّم الجعل التكليفي أيضاً. والوجوه الثلاث وإن كانت مشتركة في منع التداوي وتحريمه إلّا أنّ الأوجه منها الوجه الأخير ، فالقول بجواز التداوي وإن كان قويّاً ولكنّ الأقوى هو المنع مطلقاً.
لا يقال : قضيّة ذلك عدم جواز الاكتحال به أيضاً فكيف يذهب الأكثر إلى الجواز وقد رجّحته أيضاً ، لأنّا نعالجه بتخصيص القاعدة المستنبطة من أخبار الباب في منع
__________________
(١) البقرة : ٢١٩.