قد يقال : إنّ مقتضى الجمع بين النصّ بالتصدّق وبين دليل ولاية الحاكم هو التخيير بينه وبين الدفع إلى الحاكم فلكلّ منهما الولاية على هذا المال ، وهذا في غاية الإشكال ، لظهور الأمر في تعيين التصدّق خصوصاً وأنّ الأصل فيه التعيين ـ كما حقّق في محلّه ـ إلّا أن يدفع إليه الصرف في التصدّق كسائر الوجوه الّتي له ولاية الصرف في مستحقّيها.
ومن هنا قد يقال : بأنّه يجوز الدفع إليه من حيث ولايته على مستحقّي الصدقة وكونه أعرف بمواقعها ، بل قيل بأنّه لو أراد السلامة عن الضمان على تقدير عدم إجازة المالك يسلّمه إلى الحاكم ، إذ الإيصال إليه بمنزلة الوصول إلى المالك.
وكيف كان فالظاهر أنّ ذلك هو الأفضل ، خصوصاً بملاحظة ما ذكر من أنّه أعرف بمواقع صرفها ، بل قد يقال : بأنّ الأحوط خصوصاً بملاحظة ما دلّ على أنّ مجهول المالك مال الإمام عليهالسلام هو مراجعة الحاكم بالدفع إليه أو استيذانه ، أقول : ويتأكّد ذلك فيما لو احتمل اندراجه في عنوان ما لا مالك له لقيام احتمال موت المالك وعدم وارث له. وقد يقال : يتأكّد أيضاً في الدين المجهول مالكه ، نظراً إلى أنّ الكلّي لا يتشخّص للغريم إلّا بقبض الحاكم الّذي هو وليّه ، وإن كان ظاهر الأخبار الواردة فيه ثبوت الولاية للمديون.
ثمّ لو كان المالك معلوماً بالتفصيل ولكن تعذّر الوصول وإيصال المال إليه ، فالمصرّح به في كلام جماعة تبعاً للمحقّق في الشرائع ، كونه كصورة اليأس من معرفته فيتصدّق به مستقلاًّ ، أو بإذنه وهو أحوط. وربّما يستشمّ من بعض أخبار تراب الصياغة كون ما لو خاف من هو بيده عن الاتّهام أيضاً كذلك ، كخبر عليّ الصائغ قال : «سألته عن تراب الصواغين وإنّا نبيعه؟ قال : أما تستطيع أن تستحلّه من صاحبه؟ قال : قلت : لا ، إذا أخبرته اتّهمني ، قال : بعه ، قلت : بأيّ شيء نبيعه؟ قال : بطعام ، قلت : فأيّ شيء أصنع به؟ قال : تصدّق به ، إمّا لك وإمّا لأهله ، قلت : إن كان ذا قربة محتاجاً أصله؟ قال : نعم» (١).
ثمّ إنّ مستحقّ هذه الصدقة الفقراء من أهل المعرفة بلا خلاف فتوى ونصّاً. وفي جواز إعطائها الهاشمي وعدمه قولان : من أنّها صدقة مندوبة على المالك وإن وجبت
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٢٠٢ / ٢ ، ب ١٦ أبواب الصرف ، التهذيب ٦ : ٣٨٣ / ١١٣١.