ونقل المؤرّخين الغير البالغ حدّ العلم وغير ذلك من الأمارات ، لأنّ كفايته في إثبات ذلك يحتاج إلى دليل عامّ كدليل الانسداد كما استدلّ به هنا بعضهم ، أو دليل خاصّ ولا سبيل إلى شيء منهما.
أمّا الأوّل : فلعدم جريانه في الموضوعات خصوصاً ما نحن فيه ، لعدم الانسداد الأغلبي في الأراضي بل الغالب منها معلومة الحال باعتبار العلم بكون أكثرها ملكاً لأربابها ولو بحكم اليد السليمة عن المعارض ، والعلم بكون كثير منها من الأنفال ، والعلم في جملة بكونها مجهولة المالك ، والعلم في بعضها بكونه من المفتوحة عنوةً ، فلا يبقى ما يكون مشتبه الحال إلّا بعض قليل ، مع عدم حكومة للعقل في الأراضي المشتبهة بين المفتوحة عنوةً وبين غيرها وإن فرضناها غالبة ، التفاتاً منه إلى احتمال مرجعيّة الأصل الجاري في المورد ممّا سنشير إليه من غير أن يلزم من الرجوع إليه محذور من المحاذير الّتي كانت تلزم من العمل بالأصل في الأحكام الشرعيّة المظنونة بالظنون المطلقة ، من الخروج عن الدين والهرج والمرج فيه والمخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي ، فلا يحكم بتعيّن العمل بالظنّ ولا جوازه.
وأمّا الثاني : فلفقد ما يدلّ عليه من الأدلّة الخاصّة ، ولم نقف على من ذكر هنا دليلاً خاصّاً سوى ما يوهمه عبارة مفتاح الكرامة من دعوى الإجماع عليه ، فإنّه في تضاعيف كلامه في حجّيّة الظنّ الحاصل من التواريخ أو جماعة من مشاهير المؤرّخين أو نقل بعض أصحابنا بنى على الحجّيّة وكفايته في إثبات هذا الموضوع ، وعلّله «بأنّه ظنّ في الموضوعات الّتي يكتفي فيها بالظنون الضعيفة كما هو مسلّم عند الكلّ» (١) انتهى.
وفيه : أنّ الصفة المذكورة في العبارة إن كانت توضيحيّة ليرجع الكلام إلى دعوى الإجماع على حجّيّة مطلق الظنّ في عموم الموضوعات فهو واضح المنع ، كيف ونزاعهم في مسألة تعارض الأصل والظاهر معروف ، ولعلّ المشهور تقديم الأصل. وإن كانت احترازيّة لإخراج الموضوعات الّتي لا يكتفى فيها بالظنّ ، ففيه أنّ الإجماع على كفاية الظنّ في هذا الموضوع غير معلوم الثبوت خصوصاً بالقياس إلى الظنون الضعيفة.
__________________
(١) مفتاح الكرامة ١٣ : ٧٦.