فيدلّ بظاهره على تحريم بيع الشيء فيما حرّم الله من منافعه سواء كان جميع المنافع أو منافعه المقصودة ، فيبقى حلّيّة بيع ما اشتمل على المنفعة المحلّلة مستفادة من العمومات.
الرابع : صحيحة عمر بن اذينة قال : «كتبت إلى أبي عبد الله عليهالسلام أسأله عن رجل له كرم أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً أو سكراً؟ فقال : إنّما باعه حلالاً في الإبّان الّذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه» (١) فإنّ قوله : «إنّما باعه حلالاً» بمنزلة العلّة لقوله : «فلا بأس ببيعه» فيفيد تعليل عدم البأس ببيعه حال حلّيّة أكله أو شربه ، وهو أيضاً يفيد دوران حلّيّة البيع وجوداً وعدماً مع حلّيّة المنفعة أكلاً وشرباً.
فنتيجة الوجوه المذكورة فيما اشتمل على المنفعتين تحريم بيعه في المنفعة المحرّمة ، وحلّ بيعه في المنفعة المحلّلة ، وهذا التفصيل حينئذٍ قاعدة اخرى مستفادة من الأدلّة تنهض لتخصيص عموم أدلّة المنع حسبما تمسّك به السيّد (٢).
فإن قلت : هذا التفصيل إن صحّ لجرى في الخمر وغيرها من المسكرات المائعة أيضاً ، لاشتمالها بملاحظة ما سبق من جواز الانتفاع بها في المواضع الأربع المتقدّمة على منفعتين محرّمة ـ وهي شربها اختياراً ـ ومحلّلة ، كما في المواضع الأربع فوجب أن يحلّ بيعها في هذه المواضع ، فما معنى إطلاق المنع من بيعها حتّى في المواضع الأربع حتّى في صورة اتّخاذ الخمر للتخليل كما تقدّم.
قلت : فرق بين حلّ الانتفاع بالشيء وحلّ منفعة الشيء ، والمسوّغ للبيع هو الثاني ، والموجود في المواضع الأربع هو الأوّل ، والفرق بينهما أنّ المنفعة عبارة عن الفائدة المقصودة من الشيء بنوعه ، بأن يكون ذلك الشيء بنوعه معدّاً لاستفادة هذه الفائدة ، وهي غير الفائدة المطلقة المترتّبة على الشيء في بعض الأحيان من دون أن يكون بنوعه معدّاً لاستفادة تلك الفائدة ، وضابط الفرق بينهما أنّ المنفعة من قبيل لوازم الماهيّة ، ومطلق الفائدة من قبيل عوارض الشخص ، وعلى ما بيّنّاه ينطبق جميع تعبيرات الفقهاء ، فتارةً بالمنفعة الغالبة والمنفعة النادرة ، واخرى بالمنفعة المقصودة
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٢٣٠ / ٥ ، ب ٥٩ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ٢٣١ / ٨.
(٢) مصابيح الأحكام : ١٣.