المعنى يكشف عن صحّة نظرهم ومطابقة معتقدهم للواقع ، على معنى حصول الملك في الواقع الّذي يستتبعه التمليك المقصود حين المعاملة في نظر العرف وعلى حسب معتقدهم.
وكيف كان فاورد على الاستدلال بالآية لإثبات الصحّة مطلقاً أو في خصوص المعاطاة بوجوه :
منها : أنّ الآية لا تعلّق لها بهذا الدين بل مفادها حكم متعلّق باليهود والنصارى ، لكونها حكاية عنهم كما يشهد به ظاهر صدر الآية. وفيه من الوهن ما لا يخفى إذ لا شهادة في صدر الآية بما ذكر بل ظاهر سياقها وما قبلها وما بعدها من الآيات خصوصاً قوله : «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (١) مع قوله : «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» (٢) كون الخطاب مع المسلمين فيكون حلّيّة البيع وحرمة الربا من أحكام الإسلام ، ولو سلّم كون قول «إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا» من مقالة أهل الكتاب فلا ينافي كون الخطاب معهم حال دخولهم في الإسلام ، نظراً إلى أنّهم لمّا تمسّكوا بعد الإسلام بمقالتهم السابقة على الإسلام فنزلت الآية لردّهم.
ومنها : عدم تناول الآية للمعاطاة لعدم كونها بيعاً ، كما عليه مبنيّ قول العلّامة في النهاية. ويدفعه ما سبق من تحقيقه في الجهة الاولى ، فالاستدلال بالآية إنّما هو [بعد] الفراغ عن إحراز كونها بيعاً.
ومنها : أنّ من شروط حجّيّة إطلاق المطلق عدم وروده مورد بيان حكم آخر ، وهذا الشرط غير موجود هنا ، لكون الآية مسوقة لبيان حلّيّة البيع في الجملة على طريقة القضيّة المهملة في مقابلة تحريم الربا على وجه السلب الكلّي ، من غير نظر إلى التعميم والتخصيص بالقياس إلى المعاطاة والبيع بالصيغة ، وذلك كما يقال : فلان يلبس الفرو ، فإنّ معناه ليس أنّه يلبس أيّ فرو أو كلّ فرو حتّى يستدلّ به على الحكم في مطلق حتّى ما يتّخذ من جلد غير المأكول كالثعلب والأرنب أو من جلد نجس العين كالكلب والخنزير ، فكأنّه تعالى في الآية قال : «ما أحلّ الله إلّا البيع» من باب قصر الأفراد ردّاً
__________________
(١) البقرة : ٦٢.
(٢) البقرة : ٢٧٥.