يدفعها : أنّ الصغرى محرزة بالفرض باعتبار كون المعاطاة المبحوث عنها من التجارة عن تراض ، فإنّ التجارة بحسب العرف واللغة هو الاكتساب وهو عبارة عن تحصيل المال على وجه الملك والتملّك ، والظاهر أنّ كلاًّ من المتعاطيين يقصد بدفع ماله وأخذ مال صاحبه عوضاً عنه تحصيل المال على الوجه المذكور ، فيكون أكله من أكل المال المأخوذ بطريق التجارة عن تراض إذ المفروض تراضيهما بما يقصدان بالأخذ والإعطاء.
لا يقال : إنّ قصارى ما يدلّ عليه الآية إنّما هو حلّيّة أكل هذا المال ، والحلّيّة حكم تكليفي لا يلازم الحكم الوضعي وهو الصحّة ، والكلام إنّما هو في الحكم الوضعي لا التكليفي فقط ، فالآية تنهض دليلاً للقائلين بالإباحة فلا يثبت بها الصحّة والملكيّة بل لو قدّرت كلمة «إلّا» وصفيّة على حدّ ما في قوله تعالى «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا» (١) كما احتمله بعضهم لم تفد الآية للمستثنى حكماً لا تكليفاً ولا وضعاً ، بل كان في حكم المسكوت عنه كما هو واضح.
لأنّا نقول ـ مع أنّ احتمال الوصفيّة ضعيف لا ينبغي الالتفات إليه لانتفاء ما هو من شروط الاستثناء الوصفي وهو نكارة المستثنى منه كما في الآية المشار إليها : إنّ الصحّة تستفاد من الآية باعتبار نفي البطلان أو رفع توهّمه بالاستثناء عن التجارة عن تراضٍ.
وتوضيح المقام : أنّه قد اختلفت القراءة في إعراب «تجارة» من حيث الرفع والنصب ، ومنه اختلف القول في اعتبار «تكون» ناقصة أو تامّة ، وهاهنا اختلاف آخر في انقطاع الاستثناء ـ كما هو ظاهر الأكثر ـ واتّصاله ، قال الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان : «قرأ أهل الكوفة تجارة نصباً والباقون الرفع ... إلى أن قال : من رفع فتقديره إلّا أن تقع تجارة عن تراض فالاستثناء منقطع لأنّ التجارة عن تراضٍ ليس من أكل المال بالباطل ، ومن نصب تجارة احتمل ضربين ، أحدهما : إلّا أن تكون التجارة تجارة عن تراض ، والآخر : إلّا أن تكون الأموال أموال تجارة ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، فالاستثناء على هذا الوجه أيضاً منقطع» (٢) انتهى.
أقول : جعل «تكون» تامّة بمعنى تقع على قراءة الرفع لعلّه ارتكاب خلاف ظاهر
__________________
(١) الأنبياء : ٢٢.
(٢) مجمع البيان ١ : ٥٨ ـ ٥٩.