التجارة بحقّ واستحقاق شرعي إلّا من جهة إفادتها ملكيّة هذه الأموال.
ولو قدّرنا خلاف الحقّ في معنى الباطل باعتبار مجرّد الحرمة ، بتقدير أن يكون المراد منه المعاملات المحرّمة الّتي منع عنها الشارع ـ كالأمثلة المتقدّمة الواردة في الرواية ـ لكفى عدم كون التجارة عن تراض من الباطل بهذا المعنى في إثبات الدلالة على الصحّة من جهة الاستثناء ، لأنّ التجارة عن تراضٍ بمفهومها العرفي عبارة عن الاكتساب على وجه التمليك والتملّك ، ورفع توهّم المنع عنها على هذا الوجه بحسب متفاهم العرف في معنى إمضاء الشارع لها وترخيصه فيها على هذا الوجه ، فلولا كونها مفيدة للملك لم يصدق الإمضاء والترخيص على هذا الوجه. هذا كلّه على تقدير الاستثناء منقطعاً.
وأمّا تقديره متّصلاً فلا وجه يصحّحه إلّا جعل الباطل كناية عن مطلق الجهات أو المعاملات معرّاة عن وصف البطلان ، بتجريد المشتقّ عن معنى المبدأ واتّصاف الذات به ليدخل التجارة عن تراضٍ في جملة آحادها ، كما قد يتكلّف ويقال : إنّما اوتي بتلك العبارة رعاية لكمال البلاغة مع أداء المقصود بإعطاء حكمي التكليفي والوضعي من حرمة الأكل وبطلان ما سوى التجارة عن تراض بأخصر العبارات ، فكأنّه أتى بكلامين استثنائيّين مثل أن يقال : لا تأكلوا أموالكم بجهة من الجهات إلّا أن تكون الجهة تجارة عن تراضٍ ، لأنّ كلّ جهة باطلة إلّا التجارة عن تراضٍ ، وكان ذلك إعطاء للحكم ببيّنة وبرهان.
ونظير ذلك في كلام البلغاء كثير ألا ترى أنّه يقال في العرف : «لا تكرم الفسّاق إلّا عالم البلد» بجعل الفسّاق كناية عن أهل البلد ويراد به استثناء العالم من وصف الفسق الموجب لعدم شمول النهي له ، فكأنّه قيل لا تكرم أهل البلد إلّا العالم لأنّ كلّهم فسّاق إلّا العالم. وهذا التأويل في الآية بالنظر إلى قواعد الألفاظ كما ترى تكلّف ركيك ومجاز بعيد لا يصار إليه إلّا القرينة واضحة ، ومجرّد أصالة الحقيقة في أداة الاستثناء لا تصلح لها لكونها معارضة بمثلها في المشتقّ مع كونها أولى بالطرح ، فإنّ انقطاع الاستثناء وإن كان مجازاً إلّا أنّه مجاز شائع يكثر دورانه في الاستعمالات العرفيّة ، بخلاف تجريد المشتقّ عن وصف المبدأ وجعله للذات البحت المعرّاة عن الاتّصاف بمبدإ الاشتقاق فإنّه مجاز بعيد بل في غاية البعد لندرة وروده في الكلام ، ومن المحقّق أنّ أقرب