المجازين وأشيعها وروداً في الكلام أولى وأرجح في مقام التعارض من الآخر ، ولذا لم يلتفت الأكثر إلى اتّصال الاستثناء هنا.
وقد يقدّر الاستثناء في الآية على تقدير الانقطاع مع قراءة النصب في «تجارة» بأنّ المعنى إلّا أن تكون السبب تجارة عن تراضٍ ، ولعلّه لإرجاع ضمير الاسم إلى مرجع معنوي ينساق من السببيّة المفهومة من كلمة «البا» في قوله «بِالْباطِلِ» بناءً على كونها سببيّة وتأنيثه حينئذٍ لرعاية المطابقة مع الخبر لا مع الاسم ، فيكون تقدير المستثنى والمستثنى منه في حاصل المعنى «لا تأكلوا أموالكم بينكم بسبب من الأسباب الباطلة إلّا أن يكون السبب تجارة عن تراضٍ» والأولى ما تقدّم في كلام المفسّر فليتدبّر.
وقد يستدلّ على القول المختار بوجهين آخرين :
أحدهما : قوله تعالى : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (١) بتقريب أنّ المعاطاة عقد كما تقدّم في الجهة الاولى فيشملها عموم الآية ، نظراً إلى أنّ وجوب الوفاء بالعقد فرع على صحّته وإفادته الملكيّة.
وهذا في ظاهر النظر لا يخلو عن وجه خصوصاً بملاحظة ما قرّرناه في رسالتنا المنفردة لتأسيس أصالة الصحّة في العقود من وجه دلالة الآية على ذلك الأصل ، وملخّصه : أنّ كلاًّ من المتعاقدين يربط ماله بصاحبه ويجعله بالقصد والنيّة ملكاً له في عوض ماله ، ومقتضى هذا الربط على حسب ما يجعلانه حصول الارتباط وهو صيرورة مال كلّ ملكاً لصاحبه ، والشكّ في صحّة عقد وفساده راجع إلى حصول ذلك الارتباط في الواقع وعدمه ، باعتبار الشكّ في إمضاء الشارع للربط المذكور على حسب ما جعله المتعاقدان وعدمه ، غير أنّه لو حصل فمقتضاه أن يجب على كلّ منهما أن يدفع ماله إلى صاحبه ويمكّنه من التصرّف فيه ولا يحول بينه وبين التصرّف فيما دخل في ملكه. وهذا كلّه ما يعبّر عنه بالقيام بمقتضى العقد الّذي يعبّر عنه بالوفاء والإيفاء ، فإنّ معناه القيام بمقتضى العقد بالمعنى المذكور فقوله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أمر بالوفاء بكلّ عقد بهذا المعنى ، والوجوب المستفاد من الأمر يلازم حصول الارتباط في الواقع ، فالأمر به
__________________
(١) المائدة : ١.