واستحالة نيّة القربة ممّن لم يتوجّه إليه أمر ، والظاهر أنّ أوامر العتق والوقف والصدقة وإن كانت استحبابيّة إلّا أنّها متوجّهة إلى مالك العبد والعين والمال لا إلى غيره ، فيستحيل لغير المالك أن يتقرّب بإعتاق عبد غيره أو بوقف عين غيره أو بالتصدّق بمال غيره لاستحالة تحقّق نيّة القربة منه بدون أمر ، وهذا هو معنى ما تقدّم من عدم إمكان التقرّب بمال وإن أذن فيه المالك لأنّ إذن المالك ليست مشرّعة ومحدثة للأمر بإعتاق مملوكه أو وقف ملكه أو التصدّق بماله ، فتقرّر بطلان الإذن في التصرّفات الموقوفة على الملك المقصودة من إنشاء الإباحة على معنى عدم ترتّب الآثار المقصودة منها عليها وهو وقوع البيع أو العتق أو الوقف أو الصدقة للمأذون له ، لقاعدة تبعيّة ملك العوض لملك المعوّض ، وعدم إمكان التقرّب بمال الغير سواء قصد المالك هذا الإذن في ضمن عموم التصرّفات كمحلّ البحث ، أو صرّح بها بخصوصها كأن يقول : بع مالي لنفسك أو اشتر بمالي لنفسك أو أعتق عبدي أو أوقف داري أو تصدّق بمالي لنفسك.
فظهر أنّ توهّم التمسّك لإثبات الصحّة للإذن في جميع ما ذكر بعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» غير سديد ، لأنّه عامّ في التصرّفات الجائزة تكليفاً ووضعاً ، ومرجعه بالنسبة إلى التصرّفات المذكورة إلى حكومة دليل عدم إمكان بيع الإنسان مال الغير لنفسه أو الشراء لنفسه بمال الغير وعدم إمكان التقرّب بمال الغير على هذا العموم ، كحكومة دليل حرمة اتّخاذ العنب خمراً ودليل عدم جواز بيع العنب أو الخشب ليعمل خمراً أو صنماً عليه.
ولا ينتقض ما ذكرنا بمسألة بيع الواهب أو إعتاقه العبد الموهوب من حيث وقوع البيع والعتق للواهب لا للموهوب له ، لكون البيع أو الإعتاق رجوعاً منه في الهبة ، فيكون كلّ منهما واقعاً في ملكه العائد إليه بالرجوع لا في ملك الغير.
نعم لو فرض حصول ملك ضمني للمباح له بإنشاء الإباحة المذكورة كان ما نحن فيه كبيع الواهب وإعتاقه في وقوع البيع والعتق والوقف والصدقة من المباح له في ملكه ، وهو يتصوّر من وجهين :
أحدهما : أن يتضمّن قصد إنشاء الإباحة لقصد إنشاء التمليك أيضاً ، والمفروض في محلّ البحث ليس من هذا القبيل.