للحمّامات والداخلين فيها أنّ المستأجرين لا يقصدون عند دخول كلّ داخل إنشاء تمليك المنفعة بشرائطها له ، والداخلين أيضاً في قصدهم قبول تمليك المنفعة ولا تملّكها عند الدخول فلا يمكن كون ذلك من باب الإجارة لأنّها عقد والعقد لا بدّ فيه من إنشاء تمليك المنفعة وليس بحاصل جزماً ، فهو ليس إلّا لأنّ المستأجرين آذنون للناس إذناً عامّاً في الدخول واستيفاء المنفعة واستعمال الماء معلومة بشهادة أحوالهم بل كثيراً ما يكون الإذن صريحة.
وبهذا كلّه اندفعت الإشكالات المعروفة في خصوص عمل الناس في الحمّامات على تقدير كونه من باب الإجارة من عدم تعيين المنفعة ولا تعيين المدّة لتعيين المنفعة ولا تعيين الماء الّذي يستعمل ومن جهة إتلاف الماء الّذي هو من العين فإنّ هذه تقدح في الإجارة لا في الإباحة ، وهذا في كونه إباحة نظير الإباحة فيمن يستأجر داراً ويدخل فيها ضيفه ورفيقه وصديقه وغيره ، غاية الأمر أنّ ذلك إباحة مجّانيّة وما في الحمّامات إباحة مشروطة بدفع العوض المقرّر.
فالأولى أن يعبّر ـ بعد ما تقدّم من عدم اعتبار الإعطاء في شيء من الجانبين ـ مكان «بل يكفي مجرّد الإيصال والوصول» بأنّه يكفي القول المجرّد عن الفعل الخالي عن شرائط الصيغة ، ومرجعه إلى أنّه لا يعتبر في المعاطاة كونها بالفعل المحض أو الملفّق منه ومن القول بل يكفي فيها مجرّد القول الخالي عن الشرائط ، كأن يقول أحدهما : هذا ملك لك بكذا أو منّ من هذه الصبرة ملك لك بكذا ، قاصداً لإنشاء التمليك ، ويقول الآخر : ما يخالف أو ما يضرّ أو لا ضير فيه أو لا بأس به ، قاصداً لإنشاء قبول التمليك ، أو يقول أحدهما : أبيعك هذا بكذا ، قاصداً لإنشاء التمليك ، ويقول الآخر : أشتري منك بكذا ، قاصداً لإنشاء التمليك ، أو يجريا الصيغة الفارسيّة مثل عبارة «فروختم وخريدم» وما أشبه ذلك. وقد يعبّر عن هذه المعاملة القوليّة الخالية عن شرائط بأنّهما يتقاولان على مبادلة مال بمال من غير إيصال وقبض في المجلس ، ومناط كفاية ما ذكر صدق البيع عرفاً فيشمله أدلّة الصحّة ، هذا على القول بالملك. وأمّا على القول بالإباحة فقد يستشكل في كفايته تعليلاً بعدم الدليل على كفاية نحو ذلك في الإباحة ، والقدر المتيقّن من دليله وهو السيرة وإجماع الغنية هو المعاطاة الحقيقيّة ، وهي