بل قد يدّعى عدم اعتبار الإعطاء والأخذ يداً بيد في شيء من الجانبين فضلاً عن المعاطاة والتعاطي ، بل يكفي مجرّد إيصال الثمن وأخذ المثمن من غير إعطاء كما تعارف أخذ الماء من مكان السقّاء في غيبته ووضع الفلس في المحلّ المعدّ له ، وكذلك أخذ الباقة من دكّان البقلي في غيبته ووضع عوضها في كوزه ، ومنه دخول الحمّام ووضع الحقّ في الصندوق وما أشبه ذلك ، فإنّ الجميع متداول وكافٍ في لحوق أحكام المعاطاة ، ولكن يشترط في الجميع العلم برضا المالك أعني صاحب الدكّان والحمّامي إحرازاً للتراضي الّذي لا إشكال لأحد في اعتباره.
ولكن يشكل ذلك لو كان مراد القائل كفاية ما ذكر في انعقاد البيع وصحّته لأنّه لا بدّ في انعقاده من قصد التمليك وإنشائه ولم يتحقّق في الموارد المذكورة من المالك قطعاً. وتوهّم حصوله من آخذ الماء والبقل فهو بأخذه يملّكه لنفسه وبوضعه العوض يقبل التمليك فهو مملّك ومتملّك فيكون موجباً وقابلاً باعتبارين ، يدفعه أنّ تمليك مال الغير لنفسه ممّا لا معنى له إلّا في موضع الوكالة وهي غير متحقّقة لعدم تحقّق التوكيل من المالك. واحتمال كونه من البيع الفضولي بعيد ، لعدم لحوق إجازة المالك به المعتبر في صحّته. والاكتفاء فيها برضاه النفساني المعلوم بشاهد الحال يوجب كونه بيعاً عن المالك بطريق الوكالة لحصول ذلك الرضا قبل البيع ومقارنته إيّاه فإنّه إذن منه في تلك المعاملة معلومة بشاهد الحال القطعي فيكون كالوكالة ، ولكن في كونها إذناً في التمليك عنه لا في مجرّد الأخذ والتصرّف بشرط وضع عوضه إشكال.
وظنّي أنّ هذه المعاملة على الوجه الّذي في الموارد المذكورة ونظائرها أشبه شيء بالإباحة المشروطة أو المعوّضة ، نظراً إلى الإذن في الأخذ والوضع المعلومة بشاهد الحال القطعي ، ونحوها معاملة الحمّام حسبما فرض فإنّ الدخول في الحمّام واستيفاء المنفعة بالغسل والاغتسال واستعمال الماء ثمّ وضع الفلوس المقرّر في الصندوق كلّها إباحة مالكيّة وإذن في التصرّفات المذكورة معلومة من شاهد حال الحمّامي ، بل لا يختصّ ذلك بغيبته بل المتعارف في حضوره في جميع الحمّامات في كلّ الأعصار والأمصار هو ذلك فإنّه ليس إلّا من قبيل الإباحة والإذن في الدخول واستيفاء المنفعة واستعمال الماء بشرط بذل العوض المقرّر ، للعلم الضروري من سيرة المستأجرين