بأنّي لم أبعك الطحين وإنّما بعتك الحنطة وإن كنت تريد الترادّ فردّ إليّ حنطتي ، وهذا آية كون الموضوع عرفيّاً.
وأمّا القسم الثالث : فالّذي يتراءى في بادئ النظر هو الإذعان بعدم اللزوم ، لأصالة البقاء نظراً إلى عدم تبدّل الموضوع حقيقة ولا اسماً كما لا يخفى ، إلّا أنّه قد يقال باللزوم تعليلاً «بأنّ الجواز قد أثبته الدليل في عين ما أثّر فيه المعاطاة» ومن البيّن أنّ ما حصل فيه الأثر هو العين بصفة خاصّة وقد زالت عنها الصفة ، فإنّ الصفات قد تملك تبعاً لملك العين ويتعلّق بها ضمان القيمة بالغصب والإتلاف لو كانت متموّلة ، وبالجملة أثر المعاطاة إنّما حصل في المجموع من العين وصفاتها فإذا زالت تلك الصفات زال عين ذلك الأثر ومعه لا يبقى محلّ للرجوع.
وقد يقرّر ذلك بأنّ الصفات تنزّل منزلة الأجزاء فزوال وصف العين بمنزلة زوال جزئها من حيث إنّها عين مملوكة بالمعاطاة وزوال جزء العين تلف للعين ، وقد تقدّم أنّ التلف يوجب اللزوم لعدم إمكان الترادّ.
وفيه نظر ، لمنع مدخليّة الصفة في الموضوع عرفاً ، ولا بدّ في محلّ الاستصحاب من تغيير في صفة أو حالة ، والمعيار جريان أصالة البقاء ولا مانع منه من جهة تغيير الوصف ، لبقاء الموضوع عرفاً.
نعم قد يفصّل بين أن يتضرّر المالك الأصلي المرجوع إليه بتغيير الوصف وأن لا يتضرّر ، كما عن الشيخ في شرح القواعد جعل المدار في جواز الرجوع على عدم الضرر مع إمكان الردّ قائلاً : «بأنّا نعلم من تتبّع كلام القوم والنظر إلى السيرة القاطعة أنّ الجواز مشروط بإمكان الردّ وبالخلوّ عن الضرر المنفيّ بحديث (١) «الضرار» (٢).
وهذا التفصيل ليس ببعيد بل جيّد ، وحيث يجري قاعدة نفي الضرر لا تأثير لأصالة البقاء لورود القاعدة عليها.
وأمّا القسم الرابع ففيه وجوه : اللزوم وسقوط الرجوع مطلقاً لامتناع الترادّ ، الجواز مطلقاً لأصالة بقاء سلطنة المالك الأصلي على ماله الممتزج بمال الغير فيصير شريكاً
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٣ و ٤ ، ب ١٧ أبواب الخيار.
(٢) شرح القواعد ٢ : ٢٩.