وأمّا ضعف الوجه الثاني : الّذي اعتمد عليه العلّامة فلأنّه إن جعل محلّ النزاع في الكناية الغير المقرونة بقرينة تفيد إرادة المعنى المقصود فما ذكره من «أنّ المخاطب لا يدري بم خوطب» وإن كان صحيحاً غير أنّه ممّا لا كلام فيه ولا نظنّ بأحد من الأصحاب أنّه جوّز العقد بكناية لم تفد إرادته بل عباراتهم مشحونة باعتبار وضوح الدلالة والظهور العرفي ونحوه ، وإن جعله في الكناية مع القرينة المفيدة فيتوجّه إليه منع الملازمة ، فإنّ فائدة القرينة هو أن يفهم المخاطب ما خوطب به. وبملاحظة ما ذكرناه في الترديد ربّما أمكن القول بأنّ النزاع بين العلّامة ومخالفيه يعود لفظيّاً ، بتقريب أنّه منع الاكتفاء بالكناية بدون القرينة ومخالفوه جوّزوا الاكتفاء بها مع القرينة لا غير.
وقد ينزّل كلام العلّامة في تعويله على الوجه المذكور على كناية لم يكن قرينته لفظاً موضوعاً للعنوان المقصود منها على سبيل الكناية ، كأن يقول في الأمثلة المتقدّمة : أدخلته في ملكك بيعاً أو جعلته لك بيعاً أو خذه منّي بيعاً أو سلّطتك عليه بيعاً ، بل كانت قرينة حال أو مقام أو لفظ سابق على المخاطبة ، فإنّ الأوّل ممّا لا كلام لأحد في كفايته بخلاف الثاني فإنّه محلّ النزاع بينه وبين مخالفيه.
ولا يخفي بعده بالنظر إلى إطلاق كلامهم ، وربّما يأباه ظاهر عبارة التذكرة وهي قوله : «فلا يقع بالكناية مع النيّة» (١) فإنّه يعطي أنّ الكناية الّتي يأتي بها العاقد ليس معها إلّا نيّة القائل وقصده ، فلو كان نظره إليها مع القرينة الغير اللفظيّة كان المناسب أن يقول : فلا يقع بالكناية مع القرينة الغير اللفظيّة.
وأمّا ضعف الوجه الثالث فلوجوه :
الأوّل : أنّه وجه اعتباري لا اعتبار به في أدلّة الأحكام ، ولا يصلح مدركاً لحكم شرعي ، ولا ينهض مخصّصاً لعمومات أدلّة الصحّة ولا مقيّداً لإطلاقاتها.
الثاني : أنّه منقوض بالعقود الجائزة فإنّ محلّ النزاع هي العقود اللازمة كما يعطيه كلماتهم صراحة وظهوراً ، وأمّا العقود الجائزة فلا كلام لهم في الاكتفاء فيها بكلّ لفظ حتّى المجاز والكناية وربّما ادّعى الاتّفاق على ذلك ، فلو كان الإتيان بالصيغ الغير
__________________
(١) التذكرة ١٠ : ٩.