فلا مزيّة لأحدهما على الآخر ليختصّ بالتقدّم من جهتها فيجوز التقدّم لكلّ منهما.
وأمّا الرابع : فأُجيب عنه بأنّ القبول عبارة عن الرضا بالإيجاب سواء تحقّق قبله أو بعده ، فإنّ الرضا بشيء لا يستدعي تحقّق ذلك الشيء في الماضي ، إذ الإنسان قد يرضى بما يتحقّق في المستقبل ، ففرعيّة القبول للإيجاب لا يقتضي عدم معقوليّة تقدّمه.
وردّ بأنّ القبول ليس عبارة عن مطلق الرضا بالإيجاب بل الرضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب على وجه العوضيّة ، لأنّ المشتري ناقل كالبائع ، وهذا لا يتحقّق إلّا مع تأخّر الرضا عن الإيجاب ، إذ مع تقدّمه لا يتحقّق النقل في الحال ، فإنّ من رضي بمعاوضة ينشؤها الموجب في المستقبل لم ينقل في الحال ماله إلى الموجب ، بخلاف من رضي بالمعاوضة الّتي أنشأها الموجب سابقاً ، فإنّه يرفع بهذا الرضا يده من ماله وينقله إلى غيره على وجه العوضيّة.
أقول : وفيه من التحكّم ما لا يخفى ، فإنّ المعاوضة أمر لا يتحقّق إلّا بين اثنين ، وكما أنّ الموجب بإيجابه يقصد إنشاء نقل ماله إلى المشتري على وجه يكون مال المشتري عوضاً عنه ولا يتحقّق المعاوضة بمجرّده حتّى يلحقه القبول ، فكذلك القابل أيضاً برضاه يقصد إنشاء نقل ماله إلى البائع ليكون عوضاً عن مال البائع الّذي ينقله إليه في المستقبل ولا يتحقّق المعاوضة بمجرّده حتّى يلحقه الإيجاب ، وكما أنّ نقل ماله إلى الموجب لا يتحقّق في الحال حتّى يتحقّق المعاوضة بلحوق الإيجاب فكذلك نقل مال الموجب في صورة تقديم الإيجاب إلى القابل لا يتحقّق في الحال حتّى يتحقّق المعاوضة بلحوق القبول ، والفرق بين الصورتين في دعوى تحقّق نقل مال البائع في الحال في صورة تقديم الإيجاب وعدم تحقّق نقل مال المشتري في الحال في صورة تقديم القبول تحكّم.
وقد يجاب عن الاستدلال بالفرعيّة المقتضية للتبعيّة ، بأنّ تبعيّة القبول للإيجاب ليس تبعيّة اللفظ للّفظ ولا القصد للقصد حتّى يمتنع تقديمه ، وإنّما هو على سبيل الفرض والتنزيل ، بأن يجعل القابل نفسه متناولاً لما يلقي إليه الموجب والموجب مناولاً ، كما يقول السائل في مقام الإنشاء : أنا راضٍ بما تعطيني وقابل لما تمنحني ، فهو متناول قدّم إنشاءه أو أخّره ، فعلى هذا يصحّ تقديم القبول ولو بلفظ قبلت ورضيت إن