بالمعنى الحقيقي المصطلح عليه عند أهل المعقول عبارة عن التأثّر الّذي يقال له «قبول الأثر» قبالاً للفعل الّذي يقال له «التأثير» وهذا التأثّر يترتّب على الفعل بمعنى التأثير قهراً من غير تأثير من المنفعل ولا اعتبار أمر وجودي من قبله كما في الكسر والانكسار. والانفعال بهذا المعنى ممّا لا يمكن تحقّقه في شيء من العقود ، لأنّ الأثر المقصود منها أثر يترتّب على المجموع من الإيجاب والقبول ولا يكفي فيه أحدهما ، وكما أنّ الإيجاب إنشاء للمعنى المقصود في العقد وهو فعل للموجب فكذلك القبول إنشاء للرضا بما أوجبه الموجب وهو فعل للفعل (١) والأثر المقصود يترتّب على مجموع هذين الفعلين ولا يكفي فيه أحدهما ، فجعل أحدهما فعلاً دون الآخر بجعله انفعالاً تحكّم ، لما عرفت من أنّه أيضاً فعل وليس فيه انفعال بالمعنى المذكور إلّا أن يجعل تسميته انفعالاً اصطلاحاً آخر غير ما ذكر فلا مشاحّة في الاصطلاح ، ولكنّه اصطلاح لا يترتّب عليه ثمرة في الفروع.
ودعوى : أنّ ثمرته عدم جواز تقديم القبول في العقود المذكورة ، يدفعها : أنّ الدليل الّذي استدلّ على هذا الحكم في هذه العقود ـ وهو أنّ اعتبار القبول في الرهن إنّما هو من جهة تحقّق عنوان المرتهن ولا يصدق الارتهان إلّا بعد تحقّق الرهن ، لأنّ الإيجاب إنشاء للفعل والقبول إنشاء للانفعال ونحوه القرض والهبة ـ مختلّ الوضع ، فإنّ الأثر المقصود في الرهن مثلاً وهو كون العين المرهونة وثيقة بإزاء دين المرتهن بعد حصوله وترتّبه على مجموع الإيجاب والقبول لزمه صدق كلّ من الارتهان والراهن والمرتهن دفعة واحدة وفي زمان واحد من غير ترتّب بينها ، فجعل عنوان المرتهن متأخّراً في تحقّقه عن عنوان الارتهان كجعل تحقّقه متأخّراً عن تحقّق الرهن مكابرة.
وأمّا ما ذكره في وجه عدم تقدّم قبول المصالحة المشتملة على العوض من «أنّ الالتزام المقصود فيها متساوي النسبة إلى المتصالحين فيكون البادئ منهما موجباً وغيره قابلاً ...» الخ ففيه : أنّ الفرق بين البيع والمصالحة أنّ العوض في الأوّل الّذي هو الثمن داخل في الماهيّة ومقوّم لها ، والعوض المعتبر في الثاني وهو مال المصالحة
__________________
(١) كذا في الأصل ، والظاهر : للقابل.