محترماً فلا يصحّ إطلاق القول ببيعه كذلك على مستحلّ الميتة ، والأولى إمّا العمل بمضمون الرواية لصحّتها أو إطراحها لمخالفتها الأصل. ومال الشهيد في الدروس (١) إلى عرضه على النار ، واختباره بالانبساط والانقباض كما يأتي في اللحم المطروح المشتبه. ويضعّف مع تسليم الأصل ببطلان القياس مع وجود الفارق ، وهو أنّ اللحم المطروح يحتمل كونه بأجمعه مذكّى وكونه غير مذكّى فكونه ميتة غير معلومة ، بخلاف المتنازع فإنّه مشتمل على الميتة قطعاً فلا يلزم من الحكم في المشتبه تحريمه كونه كذلك في المعلوم التحريم (٢).
أقول : مبنى هذه التجشّمات والتكلّفات والنقوض والإبرامات كلّها على توهّم كون المراد من البيع في الروايتين بيع المذكّى والميتة معاً ، وليس كما توهّم بل المراد بيع المذكّى منهما وحده حال الاشتباه بأن يتوارد إيجاب البائع وقبول المشتري على المذكّى لا غير ، ولعلّه مراد المحقّق من قصد المذكّى بالبيع لا مجرّد قصد البائع كون المبيع هو المذكّى مع إجراء العقد على الجميع.
والدليل على ما ذكرنا من نفس الروايتين إفراد الضمير في قوله عليهالسلام : «باعه ويبيعه» فإنّه ليس إلّا من جهة عوده إلى المذكّى ، فلو كان المراد بيعهما جميعاً كان المناسب تثنية الضمير بأن يقول «باعهما ويبيعهما» كما أنّ الراوي في الرواية الثانية ثنّى الضمير بقوله : «الميّت والمذكّى اختلطا» ولو فرضنا عود الضمير فيهما إلى المشتبه أو المختلط فالمراد به أيضاً هو المذكّى من حيث طرأه الاشتباه والاختلاط ، فما ذكرناه قرينة واضحة على أنّ الإمام عليهالسلام أراد بقوله : «باعه أو يبيعه» بيع المذكّى وحده. وهذا ليس من تجويز البيع للميتة ليكون مخالفاً لُاصول المذهب ، وصورته أن يقول البائع لمستحلّ الميتة : هذان أحدهما مذكّى والآخر ميتة وقد اختلطا بحيث لا يمكن لي التميّز وأنا أبيعك المذكّى منهما بكذا ، وإذا رضي المستحلّ بالاشتراء بقول البائع «بعتك المذكّى منهما بكذا» ويقول المشتري : قبلته أو ابتعته أو اشتريته بكذا ، وهذا هو معنى بيعه ممّن يستحلّ الميتة.
__________________
(١) الدروس ٣ : ١٤.
(٢) المسالك ٢ : ٢٤٢.