فاندفع بما بيّنّاه شبهة الحلّي حيث أورد على الرواية بكونها مخالفة لُاصول المذهب ، كما يندفع إشكال الشهيد الثاني باعتبار جهالة المبيع ، فإنّ التميّز إنّما يعتبر مقدّمة للإقباض الّذي إمكانه شرط في صحّة البيع ، وإقباض المبيع هنا يحصل بإقباض الجميع ، وعدم إمكان التميّز للمشتري غير قادح لأنّه لاستحلاله الميتة لا حاجة له إلى التميّز بينها وبين المذكّى لأنّهما عنده بحسب اعتقاده الفاسد في حلّية الأكل والانتفاع على حدّ سواء.
ولا يلزم من عدم التميّز في حقّه الإخلال بشرط الصحّة لحصول الإقباض بإقباض الجميع ، ويكون ذلك كشيئين أحدهما ملك لزيد والآخر ملك لعمرو واشتبها بحيث تعذّر عليهما التميّز وكانا في يد زيد مثلاً وحينئذٍ إذا باع زيد شقصه منهما على عمرو ثمّ أقبضه بإقباضهما معاً لم يكن مانع من الصحّة ، نعم إنّما يحتاج إلى التميّز إذا كان المشتري مسلماً غير مستحلّ للميتة ، وحيث تعذّر ذلك تعذّر إقباض المبيع فتعذّر قبضه فبطل معه البيع.
ومن هنا ظهر أنّه لا حاجة إلى ما تكلّفه العلّامة في المختلف من صرف ذلك عن حقيقة البيع إلى صورته للاستنقاذ ، ليرد عليه ما تقدّم من أنّه لا يتمّ فيمن لا يباح مال كما لو كان ذمّيّاً.
ولا إلى ما سمعت عن الشهيد في الدروس من العرض على النار والاختبار بالانقباض والانبساط ليتوجّه إليه ما عرفت عن المسالك.
ولا إلى ما تكلّفه بعض مشايخنا من حمل الروايتين على صورة قصد البائع المسلم أجزاءها الّتي لا تحلّها الحياة من الصوف والعظم والشعر نحوها ، قال : «وتخصيص المشتري بالمستحلّ لأنّ الداعي له على الاشتراء اللحم أيضاً ولا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد عليه» (١) ليتوجّه إليه البعد وكمال مخالفة الظاهر وعدم كونه حينئذٍ من بيع المذكّى ولا الميتة ، مع أنّ المشتري لا يشتري إلّا المجموع الّذي غرضه الأصلي منه اللحم وهو من المبيع في نظره فلم يتوارد الإيجاب والقبول على شيء واحد ،
__________________
(١) الشيخ الأنصاري في المكاسب ١ : ٣٨.