ويمكن دفعه : بأنّ الإقدام على الضمان بمطلق العوض بل العوض الواقعي بالخصوص ممّا لا ينبغي إنكاره ، فإنّ من القضايا المركوزة في أذهان الناس من أهالي جميع الملل والأديان أنّه لا يخرج مال أحد إلى غيره في غير مقام الهديّة والعطيّة والهبة والصدقة مجّاناً وبلا عوض ، بل لا بدّ له من عوض ولا يكون إلّا عوضاً واقعيّاً ، وهذه كما يرشد إليه الوجدان الغنى عن إقامة البرهان مركوزة في ذهني المتعاقدين في عقود المعاوضة صحيحها وفاسدها ، وارتكازها في ذهنيهما هو الداعي لهما إلى التعويض والتزام كلّ بدفع العوض إلى صاحبه ، فهما متوافقان على هذه القضيّة المركوزة في الذهن ، وهذا هو معنى إقدامهما على الضمان بمطلق العوض بل خصوص العوض الواقعي.
نعم بعد توافقهما عليها يتواطآن في متن العقد المفروض وقوعه فيما نحن فيه على وجه الفساد على العوض المسمّى ، وكأنّه تراضٍ منهما وتواطؤ على إبدال العوض الواقعي بالعوض المسمّى ، والمفروض بحكم فساد العقد عدم إمضاء الشارع تواطأهما عليه فيبقى تواطؤهما على مطلق العوض بل خصوص الضمان بالمثل أو القيمة. فصغرى الدليل ممّا يدرك بالوجدان فلا مجال لإنكارها ، ومن أنكرها فقد كابر وجدانه.
نعم بقي الكلام في كبرى الدليل وإثبات الدليل عليها فإنّه لا يخلو عن خفاء وإن كان ظاهر اقتصار المتعرّضين للجواب عن الدليل على منع الصغرى أنّه لا كلام على تقدير ثبوت الصغرى في الكبرى بل هي جارية عندهم مجرى المسلّمات الّتي لا يمكن الاسترابة فيها ، غير أنّ العمدة بيان دليلها ، فإنّ مفادها يرجع إلى دعوى أنّ الدافع يملك عوض ما دفعه من المثل أو القيمة في ذمّة القابض ، وعليه يتفرّع ضمان أحدهما على معنى وجوب ردّه إلى الدافع لأنّه ملكه ، وظاهر أنّ تملّكه له في ذمّة القابض يقتضي سبباً ، وذلك السبب إمّا أن يكون هو العقد المفروض كونه فاسداً أو هو القبض المتحقّق بعده بانفراده ، أو تلف العين بانفراده ، أو القبض المتعقّب للتلف على معنى كون السبب هو المجموع منهما. ولا سبيل إلى الأوّل لأنّ فاسد العقد ما لا يترتّب عليه أثر فلا يعقل كونه سبباً مؤثّراً في تملّك شيء في الذمّة ، ولا إلى الثاني وإلّا لزم جواز الرجوع بالمثل أو القيمة ولو مع بقاء العين أيضاً وهو باطل بالضرورة ، ولا إلى الثالث وإلّا لزم ضمان