ولا ريب أنّ حرمة الانتفاع بالميتة واشتباه المذكّى بها على وجه لا يتميّز ووجوب الاجتناب عن المذكّى أيضاً من باب المقدّمة موانع من التصرّف فيه والانتفاع به ، وهي كما يمنع البائع عنهما كذلك يمنع المشتري أيضاً سواء كان مستحلّاً أو غير مستحلّ ، أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني فلمخاطبة الكافر بفروع الشريعة فيكون البيع والاشتراء معاملة سفهيّة مطلقاً لعدم سلامة المبيع عن موانع التصرّف والانتفاع مع عدم قدرة البائع على رفعها حتّى في حقّ المستحلّ.
قلت : حرمة الانتفاع بالميتة ووجوب الاجتناب عن المذكّى في صورة الاشتباه إنّما هو بحسب اعتقادنا لا في اعتقاد الكافر ، فإنّه لا يعتقد في حقّه حرمة ووجوباً فالبيع والاشتراء في حقّه ليس معاملة سفهيّة بحسب اعتقاده لعدم صدقها عليه عرفاً بل صدق المعاملة الغير السفهيّة ، وهذا هو معنى عدم قدح عدم إمكان التميّز هنا ، بخلاف ما لو كان المشتري غير مستحلّ فإنّه في حقّه معاملة سفهيّة قطعاً لعدم تمكّنه من التصرّف والانتفاع بالمبيع ، وإن حصل قبضه في ضمن قبض الجميع.
لا يقال : البائع لكونه مسلماً بمقتضى قاعدة الشبهة المحصورة ممنوع من هذا البيع لوجوب الاجتناب عليه عن جميع أطراف الشبهة ، وتجويز بيع المذكّى المشتبه ولو من المستحلّ ينافيه لأنّ وجوب الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة حكم ظاهري يثبت بقاعدة الاشتغال الجارية في الشكّ في المكلّف به الّذي لا يؤول إلى الشك في التكليف ، فيخرج عنه بالدليل وهو النصّ الصحيح الصريح في الجواز.
لا يقال : قاعدة الاشتغال المقتضية لوجوب الاجتناب عن المذكّى الواقعي قاعدة عقليّة فوجوب الاجتناب حكم عقلي والتخصيص في الأحكام العقليّة غير سائغ ، لأنّ هذا الحكم وإن كان عقليّاً إلّا أنّه حكم تعليقي معلّق على عدم ورود الدليل على جواز الارتكاب ، نظير الحظر العقلي والإباحة العقليّة في المنافع قبل ورود الشرع ، والمفروض وجود الدليل على جواز بيع المذكّى المشتبه بالميتة ممّن يستحلّها بالخصوص ، وهذا في الحقيقة ليس تخصيصاً بل هو إخراج للمورد عن موضوع حكم العقل.