ثمّ بقي من مسألة انتقال الحكم من المثلي إلى القيمة لتعذّر المثل امور ينبغي ذكرها من باب الفروع :
الأوّل : أنّ الموجب لانتقال الحكم هل هو إعواز المثل أو تعذّره؟ احتمالان ، نظراً إلى اختلاف عبارات الأصحاب في التعبير تارةً بالإعواز واخرى بالتعذّر ، حتّى أنّ العلّامة في عبارة القواعد عبّر بـ «الإعواز» كما سمعت ، وفي عبارة التذكرة عبّر بـ «التعذّر» والمحقّق الثاني (١) في شرح عبارة القواعد المشتملة على ذكر الاحتمالات الخمس المتقدّمة عبّر مكان الإعواز بـ «التعذّر».
والفرق بينهما أنّ الإعواز بحسب المفهوم أخصّ من التعذّر ، لأنّ التعذّر قد يكون بغير إعواز كما لو كان المثل موجوداً عند من لا يبيعه ولو بأزيد من ثمن المثل.
ويمكن أن يقال بأنّ اختلاف العبارات في مجرّد التعبير لا في المعنى ، إمّا بإرجاع الإعواز إلى معنى التعذّر ، أو بإرجاع التعذّر إلى معنى الإعواز. والأظهر الأوّل لوحدة المناط ، فإنّ مناط انتقال الحكم عدم التمكّن من أداء المثل ولو كان لعدم إمكان الوصلة إليه مع فرض وجوده عند من لا يبيعه أصلاً.
الثاني : أنّ المراد بإعواز المثل على ما عن العلّامة في التذكرة «أن لا يوجد في البلد وما حوله» (٢) وعن المسالك (٣) «أنّه زاد قوله ممّا ينقل عادةً منه إليه» ويشكل بأنّ هذا التحديد ممّا لا دليل عليه من نصّ أو إجماع فلا يكون مقبولاً.
وعن جامع المقاصد «الرجوع فيه إلى العرف» وهذا أيضاً غير واضح ، لأنّ الرجوع إلى العرف إنّما يستقيم في معرفة موضوعات الأحكام المأخوذة في النصوص أو معاقد الإجماعات ، والإعواز لم يرد ذكره في نصّ بل هو واقع في كلام الفقيه. نعم لو ثبت الإجماع على انتقال الحكم إلى القيمة عند إعواز المثل كان للإرجاع إلى العرف وجه ، ولكنّه غير واضح.
فالوجه حينئذٍ ما قيل : من أنّ مقتضى عموم «وجوب أداء مال الناس» (٤)
__________________
(١) جامع المقاصد ٦ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
(٢) التذكرة ٢ : ٣٨٣.
(٣) المسالك ١٢ : ١٨٣.
(٤) الوسائل ٢٥ : ٣٨٥ / ١ ، ب ١ من أبواب الغصب ، التهذيب ٦ : ٢٢٥ / ٥٤١.