فيها إلى الأصل وهو كافٍ في التزام الجواز ، ولكنّ على كلّ تقدير وجب الاقتصار في الخروج عن القاعدة على هذه المواضع ولا يتعدّى إلى غيرها حتّى التداوي به للعين وغيرها والصبغ وغيره ، وإن كان ربّما يستشمّ من بعض العبائر جواز الصبغ لعدم وضوح دليل على شيء ممّا ذكر سوى الأصل الغير الجاري في موضع الدليل.
نعم إذا عصى باستعماله في الصبغ مثلاً ينبغي القطع بجواز الانتفاع بالمصبوغ بعد التطهير ، لأنّ المحرّم إنّما هو الصبغ بالدم لا الانتفاع بالصفة الحادثة منه. ولا يخفى عليك أنّ جواز الانتفاع في الوجوه المذكورة لا يسوّغ البيع لأجلها ، لأنّه فيها من حلّ الانتفاع لا من حلّ المنفعة. وبجميع ما ذكر يظهر أنّه لا يجري على هذا الدم ملك المسلم ، لعموم «منهيّ عن ملكه» على ما تقدّم.
النوع الثاني : الدم الطاهر بنوعه ، وهو دم غير ذي النفس المعبّر عنه بغير المسفوح ، مع كونه من غير المأكول كدم الضفادع والقُراد والبراغيث والقماميل وما أشبه ذلك ، وحرمة المعاوضة عليها مبنيّة على كون هذا الدم محرّماً فإنّه قد حكي عن بعضهم (١) القول بحلّيّته استرابة في استخباثه. ويستفاد من صاحب الكفاية التردّد فيه قائلاً : «والكلام في حلّه وحرمته مبنيّ على استخباثه وعدمه» (٢) وهذا لا يخلو عن غرابة وإن كان وافقه غير واحد في التشكيك المذكور ، إذ لا ينبغي لأحد أن يرتاب في خباثة دماء هذه الحيوانات سيّما في أكثر أنواعها ، فإنّ الخبيث ما يتنفّر منه طباع أوساط الناس وهم المعتدلون منهم ، وهذا موجود في تلك الدماء ، فينبغي القطع بأنّ الحكم فيها هو حرمة الأكل لا غير ، لعموم قوله عليهالسلام : «وحرّم عليكم الخبائث» (٣).
وقد يدّعى فيه الإجماع والسيرة القطعيّة بل الضرورة ، ويدلّ عليه قوله عليهالسلام في رواية تحف العقول : «لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه» في تعليل تحريم بيع الامور المذكورة قبله الّتي منها الدم ، بناءً على تناوله لمحلّ البحث من الدماء المذكورة كما هو الأظهر لمكان جنسيّة اللام ، فتفيد تعليق الحكم على الماهيّة من حيث هي السارية في جميع مصاديقها الخارجيّة الّتي منها محلّ البحث. وبهذا التقريب يمكن الاستدلال أيضاً
__________________
(١) كما في التذكرة ١ : ٤٦٤.
(٢) الكفاية : ٢٥١.
(٣) البحار ٤٩ : ٧٦ مع اختلاف.