بقوله تعالى : و «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ» (١) المتكرّر في سورتين إن لم يعارضه مفهوم الدم المسفوح في الآية الاخرى كما هو الأظهر على ما سنقرّره ، فإذا ثبت الحرمة الذاتيّة في هذا الدم يثبت حرمة المعاوضة عليه بقول مطلق ، لعين ما مرّ في تحريم المعاوضة على الدم النجس ولا حاجة إلى الإعادة.
وهل يحلّ الانتفاع بهذا الدم من غير جهة الأكل كالصبغ والتداوي في غير محلّ الضرورة وغير ذلك أو لا؟ مبنيّ على كون الأصل فيه حلّ الانتفاع بقول مطلق إلّا ما أخرجه الدليل ، أو أنّ الأصل فيه حرمة الانتفاع إلّا ما خرج بالدليل.
يمكن القول بالأوّل استناداً إلى الأصل بمعنى أصالة الإباحة الجارية في الأشياء النافعة الخالية عن أمارة المفسدة ، وأصالة البراءة الجارية في الشبهات التحريميّة المستفادة من العمومات ، مضافاً إلى عموم قوله تعالى : و «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (٢) أي لأجل انتفاعكم.
كما يمكن القول بالثاني استناداً إلى عموم قوله عليهالسلام : «فجميع تقلّبه في ذلك حرام» بعد فرض شمول قوله : «أو الدم» لمحلّ البحث كما نبّهنا عليه ويعضده طريقة الاحتياط. وهذا هو الوجه والمختار ، لأنّ الحكم المستفاد من العموم على وجه القاعدة أصل اجتهادي ، وبه يخرج عن الأصلين وروداً ، وعن العامّ المتقدّم تخصيصاً. ويستثنى منه استعماله في الوجوه المتقدّمة في الدم النجس إمّا لإطلاق معقد نفي الخلاف المتقدّم عن الشيخ في المبسوط ، أو للأولويّة بالنظر إلى جواز ذلك في الدم النجس المعتضدة بالأصل ، أو هو المستند في وجه على ما تقدّم ، ولكن لا يجوز بيعه وشراؤه في هذه الوجوه على ما بيّنّاه ، والكلام في عدم جريان الملك عليه كما تقدّم أيضاً.
النوع الثالث : الدم الطاهر الغير المسفوح من مأكول اللحم كدم السمك ، وهل يحرم المعاوضة عليه أو لا؟ وجهان مبنيّان على كونه محرّم الأكل أو محلّله ، إذ على الأوّل يلزم حرمة المعاوضة عليه لعين ما مرّ في النوعين الأوّلين ، وعلى الثاني يلزم جوازها وصحّتها للعمومات أجناساً وأنواعاً وأصنافاً ، فينبغي لاستعلام الحلّ والحرمة في
__________________
(١) المائدة : ٣ والبقرة : ١٧٣.
(٢) البقرة : ٢٩.