المعاوضة من صرف النظر في مسألة حلّ أكل هذا الدم وحرمته.
فنقول : قد اختلف فيه الأصحاب ، فعن ظاهر المعتبر (١) والغنية (٢) والسرائر (٣) والمختلف (٤) والمنتهى (٥) ونهاية الإحكام (٦) القول بحلّيّته ، وربّما يعزى إلى ظاهر الأوّل دعوى الإجماع عليه.
ونسب في الكفاية إلى ظاهر كثير من عبائرهم المصير إلى الحرمة قائلاً : «وظاهر كثير من عبائرهم تخصيص التحليل بالدم المتخلّف في الذبيحة وتعميم التحريم في غيره من الدماء قال : وعن بعضهم التصريح به والتنصيص على دم السمك» (٧) انتهى.
ومن المعلوم أنّ محلّ النزاع ما تميّز عن اللحم وانفصل منه حيّاً أو ميّتاً إن فرض له دم بعد الموت يمكن انفصاله منه ، دون ما اختلط باللحم بعد ذكاته بالصيد ممّا لا يمكن تخليصه منه ، فإنّه في حكم الدم المتخلّف في الذبيحة من المأكول المختلط باللحم بحيث يتعذّر تخليصه منه وإن غسل بالماء مرّة بعد اولى وكرّةً بعد اخرى ، فإنّه معفوّ مباح تبعاً للّحم ، للإجماع والسيرة القطعيّة بل ضرورة الدين ، مضافاً إلى العسر والحرج المنفيّين في الدين.
ومستند المبيحين على ما يستفاد من عباراتهم وتضاعيف كلماتهم وجوه :
الأوّل : الأصل المحتمل لإرادة أصالة الإباحة المقرّرة في الأشياء النافعة الخالية عن أمارة المضرّة ، أو أصالة البراءة المقرّرة في الشبهات التحريميّة.
الثاني : قوله عزّ من قائل : «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ» (٨) فإنّه تعالى قيّد الدم بالمسفوح وخصّ التحريم بذلك المقيّد ، والمسفوح على ما ذكره الأصحاب تبعاً لأهل اللغة (٩) من السفح بمعنى الصبّ أي المصبوب ، وفسّروه بدم ذي النفس المحكوم عليه بالنجاسة. ولذا قال في المسالك في شرح عبارة الشرائع عند ذكر الدم المسفوح وغير المسفوح : «إنّ الأوّل
__________________
(١) المعتبر ١ : ٤٩١.
(٢) الغنية : ٤١.
(٣) السرائر ١ : ١٧٤.
(٤) المختلف ١ : ٤٧٤.
(٥) المنتهى ٣ : ١٩١.
(٦) نهاية الإحكام ١ : ٢٦٨.
(٧) الكفاية : ٢٥١. (٨) الأنعام : ١٤٥.
(٩) كما في لسان العرب ٦ : ٢٧٥ ، تاج العروس ٦ : ٤٧٥ (سفح).