وأمّا الكتاب فقوله تعالى : «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» (١) يدلّ على أنّ كلّ تجارة ليس فيها تراض ورضاً نفساني فأكل المال المأخوذ من جهتها أكل بالباطل ، ولا يكون كذلك إلّا من جهة البطلان ، بناءً على أنّ بطلان عقد المكره باعتبار انتفاء الرضا لا غير.
وأمّا السنّة : فقوله عليهالسلام : «لا يحل مال امرئ إلّا عن طيب نفسه» (٢) بناءً على ما عرفت من كون بطلانه باعتبار انتفاء الرضا وطيب النفس.
واستدلّ أيضاً بالنبوي المتّفق عليه بين المسلمين المعمول به عند الفريقين العامّة والخاصّة «رفع عن امّتي تسعة ، وذكر منها ما استكرهوا عليه» (٣) ولا ينافيه ظهوره في رفع المؤاخذة ، لأنّ المراد به رفع المؤاخذة على مخالفة الإلزامات الشرعيّة الحاصلة في الواجبات ، ويكون كناية عن ارتفاع أصل الإلزامات بسبب طروء إحدى الأعذار التسعة الّتي منها الإكراه ، فيدلّ بعمومه على رفع الإلزام في عقد المكره إذا امتنع بعد العقد عن ردّ المثمن أو الثمن إلى صاحبه عند ارتفاع الإكراه بعد العقد وقبل الردّ بموت المكره ونحوه ، وهو يستلزم عدم صحّة العقد وعدم انتقال المال عن المكره إلى صاحبه بذلك العقد.
واستدلّ أيضاً بالأخبار (٤) الواردة في بطلان طلاق المكره مع انضمام الإجماع المركّب وعدم القول بالفصل.
والعمدة في المقام هو التكلّم في تحقيق موضوع المسألة الّذي هو مورد الأدلّة ومعقد الإجماعات المنقولة ، فنقول : إنّ العقد اللفظي مشتمل على لفظ وهو الصيغة المخصوصة كصيغة «بعت» مثلاً في البيع ، وعلى مدلول مادّي وهو معنى «البيع» وعلى مدلول هيئي وهو المعنى الإنشائي أعني إيجاد معنى البيع وإيقاعه بنفس الصيغة ، وعلى مدلول التزامي هو الحاصل من المعنى الإنشائي أعني مضمون العقد الواقع في الخارج كتمليك العين المستتبع لتملّكها من حيث إنّه الواقع في الخارج ، وهو المقصود بالأصالة والمطلوب بالذات من إجراء العقد. ومن المعلوم أنّ العقد المشتمل على الامور
__________________
(١) النساء : ٢٩.
(٢) عوالي اللآلئ ٢ : ١١٣ / ٣٠٩.
(٣) عوالي اللآلئ ١ : ٢٣٢ / ١٣١.
(٤) الوسائل ٢٢ : ٨٦ / ٦ ، ب ٣٧ مقدّمات الطلاق.