المذكورة لا ينعقد صحيحاً إلّا بقصود أربع على معنى توقّف انعقاده على هذه القصود ، وهي القصد إلى التلفّظ بهذا اللفظ الخاصّ ، والقصد إلى مدلوله المادّي ، والقصد إلى مدلوله الهيئي أعني قصد الإنشاء وهو إيجاد المدلول المادّي وإيقاعه حال التلفّظ بنفس الصيغة المتلفّظ بها ، والقصد إلى وقوع ما قصد إيقاعه في الخارج وقد يعبّر بالقصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج. ولا ريب أنّ قصد الإيقاع لا يستلزم قصد الوقوع في الخارج ، نعم انتفاء قصد الوقوع يستلزم انتفاء الوقوع في الخارج ، وهو يستلزم عدم تحقّق الإيقاع وإن قصد ، لأنّ صدق الإيقاع باعتبار تحقّق الوقوع في الخارج فإذا لم يتحقّق لانتفاء القصد إليه لم يصدق الإيقاع فلا يبقى إلّا قصده.
وكيف كان فإذا انتفى القصد إلى التلفّظ كالصيغة الصادرة من النائم أو الغافل أو الغالط ، أو القصد إلى المدلول المادّي كما إذا صدرت من الهاذل أو المورّي في بعض فروضهما ولو باعتبار إرادة معنى لفظ آخر في التورية كالإجارة أو الصلح أو النكاح ، أو القصد إلى المدلول الهيئي كما في الهاذل أو المورّي في فرض آخر ولو باعتبار إرادة الإخبار لا الإنشاء فلا عقد. ولو انتفى القصد إلى وقوع المضمون في الخارج فلا نفوذ بل يقف النفوذ على لحوق الرضا به بلحوق الإجازة الكاشفة عنه.
وبهذا يعلم أنّ القصد الرابع يغاير غيره ممّا قبله ذاتاً ، بكونه عبارة عن الرضا المقابل للكراهة ، والمراد به عدم كراهة وقوع مضمون العقد في الخارج ويطلق عليه لفظ الاختيار. قال في المجمع : «قوله ورضيت بالشيء رضا اخترته ، وارتضيته مثله» (١) وهما معاً بمعنى طيب النفس ، ولذا قال في المجمع أيضاً : «قول العرب طاب لي هذا أي فارقته المكاره وطاب له العيش فارقه المكاره» (٢) وحاصل معنى مفارقة المكاره إيّاه أن لا يكرهه ، ومنه قوله عزّ من قائل : «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» (٣) وطبت به نفساً وطابت نفسي به يراد بهما رضا النفس به أي كونه بحيث لا تكرهه النفس ، فطيب النفس بالقياس إلى مضمون العقد رضاها بوقوعه في الخارج وعدم كراهتها إيّاه.
ووصفاً بإمكان حصول كلّ ممّا قبله بمجرّد الإكراه بأن يكون الحامل له على قصد
__________________
(١) مجمع البحرين ١ : ١٨٧ (رضا).
(٢) مجمع البحرين ٢ : ١١١.
(٣) النساء : ٣.