التلفّظ بالصيغة أو قصد معناها المادّي أو الهيئي هو التخلّص عن الضرر المتوعّد به بخلاف القصد بمعنى الرضا والاختيار وعدم الكراهة ، لعدم إمكان حصوله بمجرّد الإكراه بل حصوله منوط بدواعي نفسانيّة أو دواعي خارجيّة موجبة لرجحان وقوع مضمون العقد في الخارج على عدم وقوعه الّذي هو الحامل على الرضا به والباعث على ارتفاع الكراهة ، ولا ريب أنّ الإكراه ليس منها بل الإكراه ما دام باقياً لا يعقل حصول وزوال الكراهة ، فإنّه عبارة عن حمل الغير على أمر كرهاً أي حمله على ما يكرهه. ومن هنا يقال : إنّ الإكراه على القصد غير ممكن ، إذ لا يصحّ تنزيل القصد في هذه القصد إلى ما عدا القصد بمعنى الرضا بوقوع مضمون العقد في الخارج.
وقد اضطربت كلمة الأصحاب في أنّ الجهة المقتضية لبطلان عقد المكره هل هي انتفاء القصد إلى مدلوله ، أو انتفاء الرضا من المكره؟ فقد يسند إلى ظاهر جماعة منهم الشهيدان (١) أنّ المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله ، بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلّامة (٢) أيضاً ، وظاهر هذه العبارة كما ترى اعتبار انتفاء القصد إلى مطلق المدلول في عقد المكره. ولذا قد يعترض عليهم أخذاً بظاهر كلامهم بعدم كون المنتفى عن عقد المكره ـ الّذي هو موضوع المسألة ومعقد الأدلّة ـ هو القصد إلى المدلول بل المنتفي عنه إنّما هو الرضا.
وقد يوجّه كلامهم بعدم كون المراد من القصد إلى المدلول المدّعى انتفاؤه في عقد المكره القصد إلى مطلق المدلول حتّى المعنى المادّي والهيئي وهو الإنشاء ، بل القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج فإنّه أيضاً من مدلول العقد.
وهذا هو الصحيح بوجوه :
منها : ما عرفت سابقاً من أنّهم فرّعوا عدم صحّة عقد المكره على شرطيّة الاختيار ، وقد عرفت لاحقاً أنّ الاختيار والرضا لمعنى وهما مع طيب النفس لمعنى ، ويراد من الجميع ما يقابل الكراهة ، ورجع ذلك إلى أنّ شرط صحّة العقد المعتبر وجوده في المتعاقدين هو الرضا وأنّ كراهة المالك مانع ، ومن المعلوم أنّه يكره الأثر ووقوعه
__________________
(١) كما في الدروس ٣ : ١٩٢ ، المسالك ٣ : ١٥٦ ، الروضة ٣ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.
(٢) التحرير ٢ : ٥١.