بما لا يوجب ضرراً آخر ، فمن يقدر على دفعه بفرار أو مقاومة أو استعانة ولم يدفعه فهو ليس بمكره أولا؟ فعن جماعة (١) منهم الشهيد (٢) الثاني اعتباره ، وقيل بالعدم.
وليعلم أنّ الصور المتصوّرة في المقام أربعة ، لأنّ المكرَه إمّا أن يدور أمره على سبيل منع الخلوّ بين أن يأتي بالفعل المكره عليه أو يمكّن نفسه عن تحمّل الضرر المتوعّد به ، أو بين أن يأتي بالفعل المكره عليه أو يمكّن نفسه عن تحمّل الضرر المتوعّد به أو يدفع الضرر بما يوجب ضرراً آخر مساوٍ للأوّل أو أشدّ منه أو أخفّ منه ، أو بين أن يأتي بالفعل المكره عليه أو يمكّن نفسيه من تحمّل الضرر المتوعّد به أو يدفعه بما لا يوجب ضرراً آخر أو بين أن يأتي بالفعل أو يمكّن نفسه من تحمّل الضرر أو يدفعه بما يوجب ضرراً آخر أو بما لا يوجب ضرراً آخر.
ولا ريب في تحقّق الإكراه في الصورة الاولى بل هو محلّ وفاق ، وكذلك الثانية لأنّ القدرة على دفع الضرر المتوعّد به بما يوجب ضرراً آخر في معنى عدم القدرة على دفع نوع الضرر فكونه مكرهاً حينئذٍ أيضاً محلّ وفاق ، وليس ذلك نظير دوران الأمر بين قبيحين أو ضررين أحدهما أشدّ من الآخر ، لأنّ وجوب اختيار الأقلّ حينئذٍ إنّما هو لانحصار الأمر في ارتكاب أحدهما ولم يكن مناص عنه ، ومحلّ الكلام ليس منه لأنّ الغرض دفع الضررين معاً بالإقدام على الفعل المكره عليه ، ولا ريب أنّه يصدق عرفاً أنّه مكره في فعله ، ولذا قيّد جماعة (٣) من الفحول القدرة على الدفع بما لا يوجب ضرراً آخر.
وأمّا الصورتان الاخريان فكلّ منهما من محلّ النزاع ، ومرجع الكلام فيهما إلى أنّ القدرة على دفع الضرر بما لا يوجب ضرراً آخر ، فمن لم يدفعه واختار الإتيان بالفعل المتوعّد على تركه هل يكشف عن الاختيار والرضا به وعدم كراهته أولا؟ فنقول : إنّ الإكراه الّذي رتّب عليه الحكم في الشرعيّات قسمان :
أحدهما : ما اعتبر في رفع الأحكام التكليفيّة في الواجبات والمحرّمات ، وهو الإكراه المسوّغ لتناول المحظورات وترك المفروضات ، بحيث لا يكون آثماً ولا مؤاخذاً
__________________
(١) كما في الحدائق ٢٥ : ١٥٩ ، والمستند ١٤ : ٢٦٧.
(٢) المسالك ٩ : ١٨ ـ ١٩.
(٣) كما في المستند ١٤ : ٢٦٨.