قاعدتهم المعروفة المعبّر عنها بأنّ «مقتضى المعاوضة وقوع ملك كلّ من العوضين لمالك العوض الآخر» فإنّ ذلك مأخوذ في مفهوم المعاوضة الّتي هي مفاعلة من العوض ، ولا تتحقّق إلّا بتبادل ملكي العوضين. ومن هنا عرّف البيع أهل اللغة بـ «مبادلة مال بمال» فإنّ المبادلة لا تصدق إلّا بصيرورة مال كلّ من البائع والمشتري بدلاً عن مال الآخر.
وقضيّة ذلك كلّه أنّه لو قصد البائع بنقل عين غيره إلى المشتري لينتقل ثمن المشتري إليه كما في البائع الفضولي ، أو قصد المشتري بجعل مال غيره ثمناً لينتقل عين مال البائع إليه كما في المشتري الفضولي ، أو قصد البائع نقل عينه إلى المشتري لينتقل الثمن من المشتري إلى غيره كولده مثلاً ، أو قصد المشتري بجعل ماله ثمناً انتقال عين البائع إلى غيره كولده مثلاً ، أن يقع ذلك القصد بجميع صوره الأربع لكونه على خلاف مقتضى المعاوضة وعلى خلاف مقتضى العقد بطبعه المقتضى للقصد الإجمالي لوقوع كلّ عوض بدلاً عن العوض الآخر لغواً غير مؤثّر فيما قصد.
ومن هنا ربّما توهّم وقوع التعارض بين القاعدة المشار إليها وقاعدة تبعيّة العقود للقصود ، لكون مفاد كلّ منافياً لمفاد الاخرى ، فإنّ قاعدة المعاوضة تقتضي دخول كلّ عوض في ملك مالك العوض الاخر لا غيره ، ومقتضى قاعدة تبعيّة العقود للقصود وقوع البيع في الصور المذكورة على حسب ما قصد من دخول العوض أو المعوّض في ملك غير مالك الآخر. فجمع بينهما بضابطة ورود الأصل الثانوي على الأصل الأوّلي وحكومة القاعدة الثانويّة على القاعدة الأوّليّة ، بتقريب : أنّ قاعدة المعاوضة أخصّ مورداً من قاعدة التبعيّة فتحكم عليها بإخراج موردها عن عمومها ، فيكون مفاد القاعدتين بعد الجمع بينهما أنّ العقود تابعة للقصود إلّا فيما قصد حصول الأثر في أحد العوضين لغير مالك العوض ، فإنّه يحصل لمالك العوض وإن قصد خلافه تحقيقاً لمفهوم المعاوضة وإحرازاً للعوضيّة والبدليّة.
أقول : ويمكن منع التعارض من أصله ، بدعوى أنّ المراد من القصود الّتي يتبعها العقود القصود الّتي هي مقوّمات للعقد اللفظي كقصد التلفّظ وقصد المعنى مادّة وهيئة ، والعقد المعنوي كقصد الأركان من المعوّض والعوض والموجب والقابل ووقوع ملك العوض لمالك المعوّض وبالعكس ليس من أركان العقد بل فائدته ، فلا يكون قصده من