المعنى لا يتأتّى ولا يترتّب على الصيغة المركّبة إلّا بأن الموجب والقابل معاً إلى المعوّض المعيّن والعوض المعيّن ، ويقصد الموجب قابلاً معيّناً والقابل موجباً معيّناً ، فإنّ جعل الموجب ملك عينه للقابل بإزاء مال القابل ليصير له عوضاً عن عينه مع قبول القابل ـ على معنى إنشائه الرضا بما صنعه الموجب ـ يتضمّن القصد إلى تعيين المعوّض والعوض منهما ، والقصد إلى تعيين القابل من الموجب ، والقصد إلى تعيين الموجب من القابل.
فهذه القصود الأربع بعد حصول الصيغة المركّبة المقرونة بشروطها المذكورة معتبرة في تحقّق ماهيّة العقد بمعنى الربط المعنوي. ولكنّ الكلام في أنّ هذه القصود الأربع عين قصد المعنى المادّي وقصد المعنى الإنشائي وقصد وقوع الأثر في الخارج والاختلاف بينهما إنّما هو في مجرّد العبارة ، أو أنّها قصود انتزاعيّة تنتزع من القصود الثلاث المذكورة المعتبرة في السبب ، أو أنّها قصود مغايرة لها ولوازم منها؟ أوجه ، أوجهها الأخير فإنّها على ما يرشد إليه التأمّل قصود مستقلّة هي لوازم للقصود الثلاث المعتبرة في السبب ، فإنّ المعنى المادّي لقول البائع «بعتك داري بمائة» عبارة عن تمليك العين بعوض ، ومعناه الهيئي عبارة عن إيجاد نقل ملك هذه العين إلى المشتري بإزاء المائة ، وأثره عبارة عن انتقال ذلك الملك في الخارج إلى المشتري بإزاء انتقال ملك المائة في الخارج إلى البائع ، فالبائع بتلك الصيغة يقصد باعتبار مادّة البيع تمليك داره بعوض المائة بقصد إيجاد نقل ملكه في الدار إلى المشتري من الهيئة مع قصده لوقوع انتقال الملك له في الخارج بعوض انتقال ملك المائة إليه فيه ، والمشتري بقوله «اشتريت» يقصد إنشاء الرضا بما صنعه البائع من نقل ملك العين إليه لوقوع الانتقال له بإزاء وقوع انتقال المائة إليه في الخارج. وهذه القصود يستلزم القصد منهما إلى المعوّض المعيّن والعوض المعيّن ، والقصد من الموجب إلى القابل المعيّن ، ومن القابل إلى الموجب المعيّن قصداً تفصيليّاً أو إجماليّاً.
وبجميع ما ذكر يتبيّن ما هو الحقّ في المقام الأوّل ، وما هو الحقّ في المقام الثاني ، كما يتبيّن بالتأمّل فيما تبيّن في المقامين ما هو الحقّ في المقام الثالث ، وهو وقوع انتقال ملك كلّ من العوضين لمالك العوض الآخر ، فإنّ العقد بمعنى الربط المعنوي على الوجه المتقدّم بطبعه يقتضي ذلك مع كونه مقصوداً للمتعاقدين قصداً إجماليّاً ، وهذا هو معنى