مع كمال رأفته وشفقته على امّته بذلك الغبن ، فلا بدّ من إطراح الرواية أو تأويلها بما يوجب خروج موردها عن عنوان الفضولي ، أو بما لا يوجب ثبوت المدّعى.
وثالثة : بأنّها مشتملة على ما لا يقول به أهل القول بصحّة الفضولي من جهات عديدة ، وهو أنّهم لا يجوّزون التصرّف قبل لحوق الإجازة ويحرّمونه كتصرّف عروة في الدينار بالإقباض وفي الشاتين بالقبض ، وفي إحداهما بالبيع والإقباض من المشتري وقبض ديناره ، وكيف يقرّره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على فعل هذه المحرّمات ولا يذمّه بل يمدحه ويدعو له ، فلا بدّ وأن [لا] يكون معاملته اشتراء وبيعاً من باب الفضولي.
ورابعة : بأنّ مورد الرواية من باب حكايات الأحوال الّتي إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال فيسقط بها الاستدلال ، ومن المحتمل كون وكالة عروة مطلقة عامّة لجميع التصرّفات ، ولا سيّما على ما قيل فيه من كونه من وكلائه ، ولا ينافيه إذنه في هذا التصرّف الخاصّ المستفاد من الأمر باشتراء الخاصّ ، لجواز كونه من الإذن الخاصّ بعد الإذن العامّ ، فلا يمكن بها على حكم الفضولي.
وخامسة : باحتمال كون معاملة عروة في مورد الرواية معاطاتية إباحيّة لا تمليكيّة مندرجة في العقد الفضولي ، وقد أرضى مالك الشاتين ومالك الدينار بأن يأتي بهما إلى النبيّ ويقصّ عليه القصّة فإن رضي بما صنعه كانت المعاملة ممضاة وإلّا أرجع إليهما ما أخذ منهما ، فتخرج عن محلّ الاستدلال لعدم كونها من العقد الصادر من الفضولي.
وفي الجميع ما لا يخفى ، أمّا إجمالاً فلأنّ الاحتمالات البعيد المخالفة للظاهر لا يلتفت إليها ، ولا تمنع الاستدلال بالظواهر ، وإلّا انسدّ باب التمسّك بألفاظ الكتاب والسنّة ، إذ ما من ظاهر إلّا وفي مقابله احتمال بعيد أو احتمالات بعيدة. وأمّا تفصيلاً فلوضوح ضعف كلّ من الوجوه المذكورة :
أمّا الأوّل : فلظهور إطلاق الإعطاء في المناولة فلا يصرف إلى التمليك والهبة إلّا لقرينة ، ولا قرينة في الرواية بل القرينة قائمة بخلاف ذلك ، فإنّ إتيان عروة للشاة والدينار معاً إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أقوى شاهد في العرف بكون الاشتراء له صلىاللهعليهوآلهوسلم لا لنفسه ، وردّ الدينار عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم مع فرض كونه ملكاً له ممّا لا مقتضي له خصوصاً مع احتياجه واستحقاقه ، وقصد إظهار شكر نعمته لا يقتضي ذلك لحصوله بحكاية الواقعة وإظهار امتنانه.