وإنّما يعتريه التجارة بمعنى الاكتساب على القول بالصحّة عند الإجازة ، فالتجارة الطارئة له عند الإجازة اكتساب نشأ عن التراضي بمعنى الرضا النفساني ، فهو حين الإجازة تجارة عن تراضٍ فيندرج بهذا الاعتبار في المستثنى. ولكن لا يذهب عليك أنّ هذا الاعتبار لا يتمّ إلّا على القول بالنقل في الإجازة ، كما هو واضح.
وثانياً : على تقدير تسليم المقدّمة الاولى مطلقاً أو على القول بالكشف في الإجازة يتطرّق المنع إلى المقدّمة الثانية ، فإنّ الآية باعتبار المستثنى منه دلّت على حرمة أكل المال في موضوع محرز من غير جهة الآية ، وهو كون المال مأخوذاً بسبب الباطل أو بالجهات الباطلة ، فلا يندرج فيه المأخوذ بالعقد الفضولي إلّا بعد إثبات بطلان ذلك العقد من أصله بدليل آخر خارج عن الآية ، والآية بنفسها لا تنهض دليلاً على البطلان ولا على كونه من الباطل أو من الجهات الباطلة ، لأنّها مسوقة لإعطاء الحكم لا لإحراز الموضوع ، فالآية لا تتناول المال المأخوذ بالعقد الفضولي لا بنفي ولا بإثبات ، فيبقى الأدلّة المتقدّمة على الصحّة سليمة عن معارضة الآية.
لا يقال : إنّ الآية تدلّ على حصر المبيح لأكل المال في التجارة عن تراضٍ ، فمفهوم الحصر تدلّ على أنّ غير التجارة عن تراضٍ أو التجارة لا عن تراضٍ غير مبيح لآكل مال الغير وإن لحقها الرضا ، ومن التجارة لا عن تراضٍ هو عقد الفضولي لأنّ المفروض عدم دخوله في المستثنى.
لأنّا نقول : إنّ دلالتها على الحصر ممنوعة لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ والمحكيّ صريحاً عن جماعة (١) من المفسّرين ، ضرورة عدم كون التجارة عن تراضٍ فرداً من الباطل خارجاً عن حكمه ، وإن جعل كناية عن الجهات الباطلة من غير فرق ظاهراً بين القراءتين بالنصب وبالرفع في تجارة كما هو واضح.
وأمّا ما يقال : لتصحيح اتّصال الاستثناء من أنّه متّصل مقصود به التنبيه على خروج التجارة عن تراضٍ عن وصف البطلان بعد إخراجه ، فقضيّة الآية تنحلّ إلى كلامين استثناءين ، فكأنّه قيل «لا تأكلوا أموالكم بشيء من الجهات إلّا أن تكون الجهة
__________________
(١) كما في التبيان ٣ : ١٧٨ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٦ ، والكشّاف ١ : ٥٠٢.