تجارة عن تراضٍ» لأنّ كلّ جهة باطلة إلّا التجارة عن تراضٍ ، وإنّما اوتي في الآية بتلك العبارة رعاية لكمال البلاغة مع أداء المقصود بإعطاء حكمي التكليفي وهو حرمة الأكل والوضعي وهو بطلان ما عدا التجارة عن تراضٍ بأخصر عباراته ، فكان كدعوى الشيء ببيّنة وبرهان. ونظير ذلك في كلام البلغاء كثير ، ومنه ما يقال في العرف : «أهن الفسّاق أو لا تكرمهم إلّا عالم البلد» ويراد به التنبيه على خروج عالم البلد عن وصف لئلّا يشمله الأمر بالإهانة أو النهي عن الإكرام ، فكأنّه قيل : لا تكرم أحداً إلّا عالم البلد ، لأنّ كلّ أحد فاسق إلّا عالم البلد.
ففيه ـ مع أنّ هذا الاعتبار لا يتمشّى على قراءة الرفع لعدم رابط في «تكون» يربطه إلى ما قبله ـ أنّه تأويل مبنيّ على الاستخدام في ضمير الاسم على قراءة النصب بإرادة الجهة بعد تعريتها عن وصف البطلان ، وهو مجاز لا داعي إليه في المقام ولا قرينة عليه في الكلام.
فإن قلت : إنّ القرينة عليه كون الوصف علّة للحكم فلا يكون جزءاً من موضوعه بل الموضوع حينئذٍ هو الموصوف لا المجموع منه ومن الوصف ، ويلزم منه كون مرجع الضمير هو الجهة المعرّاة عن الوصف.
قلت : دعوى علّيّة الوصف ممّا لا شاهد عليه. وتوهّم : أنّها من مقتضى تعليق الحكم على المشتقّ. يدفعه : أنّه على ما حقّق غير دالّ عليها ، بل غايته الإشعار وهو دون الدلالة فلا يعبأ به ، فوجب الأخذ بما هو ظاهر الكلمة وهو موضوعيّة مجموع الذات المتّصفة ووصفها.
فإن قلت : إنّ هنا قرينة اخرى وهي نصب «تجارة» وهو يقتضي اسماً لـ «تكون» عائداً إلى الباطل بمعنى الذات المتّصفة بالبطلان ، أو إلى الجهات الباطلة ، فإمّا أن يعود حينئذٍ إلى الذات أو الجهات المتّصفة بالوصف ، أو إلى الذات أو الجهات المعرّاة عن الوصف ، الثاني باطل لضرورة انتفاء الوصف في التجارة عن تراضٍ ، فتعيّن الأوّل وهو المطلوب.
قلت : نصب «تجارةً» ليس بصريح ولا ظاهر في عود ضمير الاسم إلى الباطل ، لقيام احتمال عوده إلى التجارة أو إلى الأموال ليكون التقدير «إلّا أن تكون التجارة تجارة عن تراضٍ ، أو إلّا أن تكون الأموال أموال تجارة عن تراضٍ» فحذف المضاف