أقول : إقرار المشتري الجاهل بمالكيّة البائع قد يستند إلى علمه بكونه مالكاً ، وقد يستند إلى سبب صحيح معتبر شرعاً قائم مقام العلم باعتبار كونه مرآتاً للواقع كالبيّنة القائمة عند الحاكم ، وقد يستند إلى سبب شرعي مفيد للملكيّة الظاهريّة كاليد ونحوه استصحاب الملكيّة السابقة ، وقد يستند إلى سبب غير صحيح كإخبار من لا يعتبر إخباره كالفاسق أو الصبيّ أو المجنون إذا أخبر أحدهم بكونه مالكاً وعوّل عليه المشتري فأقرّ بمالكيّته ، وقد لا يعلم استناده إلى أيّ شيء من الامور المذكورة.
ثمّ إنّ موضوع الكلام في المسألة لمّا كان هو الجهل بالغصبيّة المقابل للعلم بالمعنى الأعمّ ، من العلم الحقيقي والعلم الشرعي الّذي منه البيّنة العادلة القائمة عند الحاكم المقبولة لديه ، فيما لو ادّعى أحد عند اشترائه المال من بائعه المدّعي للمالكيّة أو المأذونيّة عن المالك كونه مالكاً له وأقام عند الحاكم بيّنة عادلة مقبولة ، فإنّه حينئذٍ لو اشتراه مع قيام البيّنة المذكورة فإن أخذه المدّعي بعد ذلك منه كان حكمه من حيث رجوعه على البائع بثمنه كحكم المشتري العالم بالغصبيّة ، فإن بنينا فيه على عدم استحقاق الرجوع مطلقاً أو إذا لم يكن عين الثمن باقية فهذا أيضاً لا يستحقّ الرجوع كذلك ، لأنّ البيّنة المفروضة علم شرعي بالغصبيّة في حقّه وإن لم يحكم الحاكم على طبقها بعد ، لأنّ الحقّ يثبت بمجرّد قيامها عنده بحيث تكون مقبولة لديه ولا مدخليّة لحكمه الإنشائي في ثبوت الحقّ ، بل هو إلزام على ردّه إلى صاحبه حتّى يتفرّع إليه عدم جواز نقضه.
وأمّا لو ادّعى أحد المالكيّة في المال من دون إقامته البيّنة أو مع إقامته بيّنة ناقصة ـ كشهادة عدل واحد ، أو شهادة فاسقين ، أو شهادة عدل وفاسق ، أو بيّنة عادلة عند غير الحاكم ، أو عنده مع عدم قبوله إيّاها ـ فهو غير خارج في شيء من هذه الصور عن عنوان الجاهل بالغصبيّة حتّى في صورة قيام البيّنة العادلة عند غير الحاكم ، لأنّ استماع البيّنة في مقام الخصومة بالدعوى والإنكار أو بالتداعي من وظيفته لا وظيفة غيره. فنحو هذه البيّنة ليس علماً شرعيّاً في حقّ المشتري ، وكذلك ما لم يقبله الحاكم وإن كانت تامّة عند المشتري ، فله حينئذٍ اشتراء ذلك المال ، ولو تبيّن بعد اشترائه فساد العقد وخروج المال مستحقّاً لمدّعيه حين الاشتراء يرجع على المشتري ويأخذ منه ثمنه.