قال القرطبيّ (١) : أما لعن الكفّار جملة من غير تعيين ، فلا خلاف فيه ؛ لما روى مالك ، عن داود بن الحصين ، أنّه سمع الأعرج يقول : «ما أدركت النّاس إلّا وهم يلعنون الكفرة في رمضان ، وسواء كانت لهم ذمّة أو لم تكن ، وليس ذلك بواجب ، ولكنّه مباح».
قوله تعالى : «والملائكة» الجمهور على جرّ الملائكة ؛ [نسقا على اسم الله تعالى](٢) ، وقرأ الحسن (٣) بالرّفع ، «والملائكة والنّاس أجمعون» وخرّجها النحاة على العطف على موضع اسم الله تعالى ، فإنه وإن كان مجرورا بإضافة المصدر ، فموضعه رفع بالفاعلية ؛ لأنّ هذا المصدر ينحلّ لحرف مصدريّ ، وفعل ، والتقدير : «أن لعنهم» ، أو «أن يلعنهم الله» ، فعطف الملائكة على هذا التّقدير.
قال أبو حيان (٤) : وهذا ليس بجائز على ما تقرّر من العطف على الموضع ، فإنّ من شرطه: أن يكون ثمّ محرز للموضع ، وطالب ، والطالب للرفع وجود التّنوين في المصدر ، هذا إذا سلّمنا أن «لعنة» تنحلّ لحرف مصدريّ ، وفعل ؛ لأنّ الانحلال لذلك شرطه أن يقصد به العلاج ؛ ألا ترى أنّ قوله : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود : ١٨] ليس المعنى على تقدير : أن يلعن الله على الظالمين ، بل المراد اللّعنة المستقرّة ، وأضيفت لله على سبيل التّخصيص ، لا على سبيل الحدوث. ونقل عن سيبويه (٥) : أنّ قولك : هذا ضارب زيد غدا وعمرا ، بنصب «عمرا» : أنّ نصبه بفعل محذوف ، وأبى أن ينصبه بالعطف على الموضع ، ثم بعد تسليمه ذلك كلّه ، قال : المصدر المنوّن لم يسمع بعده فاعل مرفوع ، ومفعول منصوب ، إنّما قاله البصريّون قياسا على «أن والفعل» ومنعه الفرّاء ، وهو الصحيح ثم إنّه خرّج هذه القراءة الشّاذّة على أحد ثلاثة أوجه :
الأول : أن تكون الملائكة مرفوعة بفعل محذوف ، أي : «وتلعنهم الملائكة» ؛ كما نصب سيبويه «عمرا» في قولك «ضارب زيدا وعمرا» بفعل محذوف.
الثاني : أن تكون الملائكة عطفا على «لعنة» بتقدير حذف مضاف ، أي : «ولعنة الملائكة» فلمّا حذف المضاف ، أقيم المضاف إليه مقامه.
الثالث : أن يكون مبتدأ قد حذف خبره تقديره «والملائكة والنّاس أجمعون تلعنهم» وهذه أوجه متكلّفة ، وإعمال المصدر المنوّن ثابت ؛ غاية ما في الباب : أنه قد يحذف فاعله ؛ كقوله (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) [البلد : ١٤ ـ ١٥] وأيضا : فقد أتبعت
__________________
(١) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٢٧.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر الدر المصون : ١ / ٤١٨ ، والبحر المحيط : ١ / ٦٣٥ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٢٣٢.
(٤) ينظر البحر المحيط : ١ / ٦٣٥.
(٥) ينظر الكتاب : ١ / ٥٦ ، ١ / ٨٦.