وقال بعضهم : هذه قصّة مستأنفة ، والهاء والميم في «لهم» كناية عن غير مذكور.
الرابع : أنه يعود على «النّاس» في قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) قاله الطبريّ ، وهو ظاهر إلّا أن ذلك من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وحكمته : أنّهم أبرزوا في صورة الغائب الذي يتعجّب من فعله ، حيث دعي إلى شريعة الله تعالى والنّور والهدى ، فأجاب باتّباع شريعة أبيه.
قوله : «بل نتّبع» «بل» ههنا : عاطفة هذه الجملة على جملة محذوفة قبلها ، تقديره : «لا نتّبع ما أنزل الله ، بل نتّبع كذا» ولا يجوز أن تكون معطوفة على قوله : «اتّبعوا» لفساده ، وقال أبو البقاء (١) : «بل» هنا للإضراب [عن الأوّل ، أي : «لا نتّبع ما أنزل الله» ، وليس بخروج من قصّة إلى قصّة ، يعني بذلك : أنه إضراب إبطال](٢) ، لا إضراب انتقال ؛ وعلى هذا ، فيقال : كلّ إضراب في القرآن الكريم ، فالمراد به الانتقال من قصّة إلى قصّة إلّا في هذه الآية ، وإلّا في قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُ) [السجدة : ٣] فإنه محتمل للأمرين ؛ فإن اعتبرت قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، كان إضراب انتقال ، وإذا اعتبرت «افتراه» وحده ، كان إضراب إبطال.
والكسائيّ (٣) يدغم لام «هل» و «بل» في ثمانية أحرف :
التاء ؛ كقوله : (بَلْ تُؤْثِرُونَ) [الأعلى : ١٦] والنّون : «بل نتّبع» والثّاء : (هَلْ ثُوِّبَ) [المطففين : ٣٦] والسّين : (بَلْ سَوَّلَتْ) [يوسف : ١٨] ، والزّاي : (بَلْ زُيِّنَ) [الرعد : ٣٣] ، والضّاد : (بَلْ ضَلُّوا) [الأحقاف : ٢٨] والظّاء : (بَلْ ظَنَنْتُمْ) [الفتح : ١٢] والطّاء : (بَلْ طَبَعَ اللهُ) [النساء : ١٥٥] ، وأكثر القرّاء على الإظهار ، ووافقه حمزة في التاء والسين ، والإظهار هو الأصل.
قوله : «ألفينا» : في «ألفى» هنا قولان :
أحدهما : أنّها متعدّية إلى مفعول واحد ، لأنها بمعنى «وجد» التي بمعنى «أصاب» ؛ بدليل قوله في آية أخرى : (بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [لقمان : ٢١] وقوله : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ) [يوسف : ٣٥] وقولهم : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) ، فعلى هذا : يكون «عليه» متعلّقا بقوله : «ألفينا».
والثاني : أنها متعدّية إلى اثنين :
أولهما : «آباءنا» ، والثاني : «عليه» ، فقدّم على الأول.
وقال أبو البقاء (٤) ـ رحمهالله ـ : [«هي محتملة للأمرين ـ أعني كونها متعدّية لواحد
__________________
(١) ينظر الإملاء لأبي البقاء : ١ / ٧٥.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر تفسير الفخر الرازي : ٥ / ٦.
(٤) ينظر الإملاء لأبي البقاء : ١ / ٧٥.