والكاف ليست بزائدة ؛ خلافا لبعضهم ؛ فإنّ الصّفة ليست عين الصّفة الأخرى ، فلا بدّ من الكاف ؛ حتى أنه لو جاء الكلام دون الكاف ، اعتقدنا وجودها تقديرا تصحيحا للمعنى.
وقد تلخّص ممّا تقدّم : أنّ «مثل الّذين» مبتدأ ، و «كمثل الّذي» خبره : إمّا من غير اعتقاد حذف ، أو على حذف مضاف من الأوّل ، أي : مثل : «داعي الّذين» ، أو من الثّاني: أي : «كمثل بهائم الّذي» ، أو على حذفين : حذف من الأوّل ما أثبت نظيره في الثّاني ، ومن الثّاني ما أثبت نظيره في الأوّل ؛ كما تقدّم تحريره.
والنعيق دعاء الرّاعي ، وتصويته بالغنم ؛ قال الأخطل في ذلك : [الكامل]
٨٩٦ ـ فانعق بضأنك يا جرير فإنّما |
|
منّتك نفسك في الخلاء ضلالا (١) |
قال القتيبيّ (٢) : لم يكن جرير راعي ضأن ، وإنّما أراد أنّ بني كليب يعيّرون برعي الضأن ، وجرير منهم ؛ فهو من جهلتهم ، والعرب تضرب المثل في الجهل براعي الضّأن ، ويقولون : أجهل من راعي ضأن.
يقال : نعق ، بفتح العين ، ينعق ، بكسرها ، والمصدر النّعيق والنّعاق ، والنّعق ، وأما «نغق الغراب» ، فبالمعجمة ، وقيل : بالمهملة أيضا في الغراب ، وهو غريب.
قال بعضهم : إنّ الياء والنّون من قوله : «ينعق» من نصف هذه السّورة الأوّل ، والعين والقاف من النصف الثّاني.
«إلّا دعاء» : هذا استثناء مفرّغ ؛ لأن قبله «يسمع» ولم يأخذ مفعوله وزعم بعضهم أن «إلّا» زائدة ، فليس من الاستثناء في شيء ، وهذا قول مردود ، وإن كان الأصمعيّ قد قال بزيادة «إلّا» في قوله : [الطويل]
٨٩٧ ـ حراجيج لا تنفكّ إلّا مناخة |
|
على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا (٣) |
فقد ردّ النّاس عليه ، ولم يقبلوا قوله ، وفي البيت كلام تقدّم.
وأورد بعضهم هنا سؤالا معنويّا ، وهو أن قوله : (لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) [البقرة : ١٧١] ليس المسموع إلا الدعاء والنداء ، فكيف ذمّهم بأنّهم لا يسمعون إلا الدعاء ؛ وكأنّه قيل: لا يسمعون إلّا المسموع ، وهذا لا يجوز؟
__________________
(١) البيت. ينظر في ديوانه : (٢٥٠) ، البحر المحيط : (١ / ٦٥١) ، والدر المصون : ١ / ٤٣٩.
(٢) ينظر تفسير القرطبي : ٢ / ١٤٤.
(٣) البيت لذي الرمة. ينظر ديوانه : ص ١٤١٩ ، لسان العرب (فكك) ، تخليص الشواهد : ص ٢٧٠ ، خزانة الأدب : ٩ / ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥٥ ، شرح شواهد المغني : ١ / ٢١٩ ، الكتاب : ٣ / ٤٨ ، المحتسب : ١ / ٣٢٩ ، همع الهوامع : ١ / ١٢٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية : ص ١٤٢ ، والأشباه والنظائر : ٥ / ١٧٣ ، والإنصاف : ١ / ١٥٦ ، الجنى الداني : ص ٥٢١ ، شرح الأشموني : ١ / ١٢١ ، مغني اللبيب : ١ / ٧٣ ، همع الهوامع ١ / ٢٣٠ ، والدر : ١ / ٤٤٠.