جعل ما هو سبب للنّار نارا ؛ كقولهم : «أكل فلان الدّم» ، يريدون الدية الّتي بسببها الدّم ؛ قال القائل في ذلك : [الطويل]
٩٠٤ ـ فلو أنّ حبّا يقبل المال فدية |
|
لسقنا إليه المال كالسّيل مفعما |
ولكن أبى قوم أصيب أخوهم |
|
رضا العار واختاروا على اللّبن الدّما (١) |
وقال القائل : [الطويل]
٩٠٥ ـ أكلت دما إن لم أرعك بضرّة |
|
بعيدة مهوى القرط طيّبة النّشر (٢) |
وقال : [الرجز]
٩٠٦ ـ يأكلن كلّ ليلة إكافا
يريد : ثمن إكاف (٣).
وقوله : (فِي بُطُونِهِمْ) يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أن يتعلّق بقوله «يأكلون» فهو ظرف له ، قال أبو البقاء (٤) : وفيه حذف مضاف ، أي «طريق بطونهم» ولا حاجة إلى ما قاله من التّقدير.
والثاني : أن يتعلّق بمحذوف ، على أنّه حال من النّار.
قال أبو البقاء (٥) : والأجود : أن تكون الحال هنا مقدّرة ؛ لأنّها وقت الأكل ليست في بطونهم. وإنّما تؤول إلى ذلك ، والتقدير : ثابتة وكائنة في بطونهم.
قال : ويلزم من هذا تقديم الحال على حرف الاستثناء.
وهو ضعيف ، إلّا أن يجعل المفعول محذوفا و «في بطونهم» حالا منه ، أو صفة له ، أي : في بطونهم شيئا ، يعني فيكون : «إلّا النّار» منصوبا على الاستثناء التّامّ ؛ لأنّه مستثنى من ذلك المحذوف إلّا أنّه قال بعد ذلك : وهذا الكلام من المعنى على المجاز وللإعراب حكم اللفظ.
والثالث : أن يكون صفة أو حالا من مفعول «كلوا» محذوفا ؛ كما تقدم تقديره.
قوله : في ذكر البطون تنبيه على أنّهم باعوا آخرتهم بدنياهم ، وهو حظّهم من المطعم الّذي لا خطر له ومعنى «إلّا النّار» ، أي : أنّه حرام يعذّبهم الله عليه ، فسمّى ما
__________________
(١) ينظر : الحماسة ١ / ١٢٥ ، البحر المحيط ١ / ٦٦٧ ، والدر المصون ١ / ٤٤٤.
(٢) البيت لعروة الرحال. ينظر الحماسة ٢ / ٤٦٣ ، الدر المصون ١ / ٤٤٤.
(٣) ينظر : البحر المحيط ١ / ٦٦٧ ، الدر المصون ١ / ٤٤٤.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٧٦.
(٥) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٧٦.