أكلوه من الرّشا نارا ؛ لأنّه يؤدّيهم إلى النار ، قاله أكثر المفسّرين (١).
وقيل : إنّه يعاقبهم على كتمانهم بأكل النّار في جهنم حقيقة فأخبر عن المآل بالحال ؛ كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) [النساء : ١٠] ، أي عاقبتهم تئول إلى ذلك ، ومنه قول القائل : [الوافر]
٩٠٧ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
..........(٢) |
وقال القائل [المتقارب]
٩٠٨ ـ .......... |
|
فللموت ما تلد الوالده (٣) |
وقال آخر : [البسيط]
٩٠٩ ـ .......... |
|
ودورنا لخراب الدّهر نبنيها (٤) |
وهذه الآية تدلّ على تحريم الرّشوة على الباطل.
قوله : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) ظاهره : أنّه لا يكلّمهم أصلا ، لكنه لما أورده مورد الوعيد ، فهم منه ما يجري مجرى العقوبة وذكروا فيه ثلاثة أوجه (٥) :
الأوّل : قد دلّ الدّليل على أنّه سبحانه وتعالى يكلّمهم ؛ وذلك قوله (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٩٢].
وقوله (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف : ٦] فعرفنا أنّه يسأل كلّ واحد من المكلّفين ، والسؤال لا يكون إلّا بكلام ، فقالوا : وجب أن يكون المراد من الآية الكريمة أنه تعالى لا يكلّمهم بتحيّة وسلام وخير ، وإنما يكلّمهم بما يعظم عندهم من الحسرة والغمّ ؛ من المناقشة والمساءلة كقوله تعالى (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨].
الثاني : أنّه تبارك وتعالى لا يكلّمهم أصلا ، وأمّا قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) إنما يكون السؤال من الملائكة بأمره تعالى ، وإنّما كان عدم تكليمهم في معرض
__________________
(١) ينظر : تفسير القرطبي ٢ / ١٥٨.
(٢) هذا صدر بيت لأبي العتاهية. ينظر ديوانه ٣٣ ، وللإمام علي بن أبي طالب في خزانة الأدب ٩ / ٥٢٩ ـ ٥٣١ ، والدر ٤ / ١٦٧ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٣ ، والجنى الداني ٩٨ ، والدر المصون ٣ / ٧٢.
(٣) هذا عجز بيت لنهيلة بن الحارث المازني أو لشييم بن خويلد ، وصدره : وإن يكن الموت أفناهم.
ينظر خزانة الأدب ٩ / ٥٣٠ ، ٥٣٣ ، ٥٣٤ ولشييم أو لسماك بن عمرو في لسان العرب (لوم) وينظر شرح شواهد المغني ٢ / ٥٧٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٢١٤.
(٤) البيت لسابق البربري وصدره : أموالنا لذوي الميراث نجمعها.
ينظر : اللامات ص ١٢٠ ولسان العرب (لوم).
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٢٤.