وثالثها : الإيمان بالملائكة.
__________________
ـ إعطاء الدرهم مشروطا بإعطاء درهم قبله ، وكذا في إعطاء كل درهم يفرض إلى غير النهاية ـ كان الإعطاء محالا ، ولهذا البيان سلمت المقدمة الصغرى من الدليل القائلة : العالم بجميع أجزائه من جواهر وأعراض حادث.
وأما المقدمة الكبرى القائلة : وكل حادث لا بد له من محدث ، فمن العلماء من قال بأنها ضرورية حتى قال الفخر الرازي في معالمه : إن العلم بها مركوز في فطرة طبائع الصبيان ، فإنك إذا لطمت وجه الصبي من حيث لا يراك وقلت : إن هذه اللطمة حصلت من غير فاعل ، فإنه لا يصدقك بل في فطرة البهائم ؛ فإن الحمار إذا أحس بصوت الخشبة ، فزع ، لأنه تقرر في طبعه أن حصول صوتها بدونها محال ، ومنهم من قرّرها بدليل ، فقال :
إن الحادث إذا حدث في وقت معيّن ، فالعقل يجوز حصوله قبله أو بعده ، فاختصاصه بالوجود في ذلك الوقت المعيّن بدلا عن العدم ، وعن الوجود في غيره ـ جائز في العقل ، فيفتقر إلى مخصّص مختار ، وإلا كان أحد المتساويين مساويا لذاته ، راجحا لذاته ، وهو محال ضرورة ، فتعيّن كون الترجيح للوجود بدلا عن العدم ، وللوجود في هذا الوقت بدلا عن الوجود في غيره من الأوقات ، بمرجّح منفصل عن الحادث ، وهو الفاعل المختار ، وهو الله سبحانه وتعالى.
الدليل الثاني على إثبات الصانع جل وعلا :
جملة الممكنات الموجودة ممكنة بداهة ، وكل ممكن يحتاج إلى سبب يعطيه الوجود ، «النتيجة» جملة الممكنات محتاجة إلى سبب يعطيها الوجود ، ثم ننظر بعد ذلك في هذا السبب ، فنقول : ذلك السّبب إما أن يكون عين الجملة ، وإما أن يكون جزأها ، وإما أن يكون خارجا عنها ، لا جائز أن يكون عينها ؛ لاستلزام تقدّم الشيء على نفسه ، وهو محال بداهة ، ولا جائز أن يكون جزأها ؛ لاستلزام أن يكون الشيء سببا لنفسه ولما سبق عليه إن لم يكن هو الأول ، ولنفسه إن فرض الأول ـ وهو محال ، فوجب أن يكون السبب وراء جملة الممكنات ، وليس وراء جملة الممكنات إلا المستحيل والواجب ، والمستحيل فاقد الوجود ، فلا يعطيه لغيره ؛ فتعين أن يكون للمكنات الموجودة موجدا هو واجب الوجود ، وهو المطلوب.
الدليل الثالث من الأدلة العقلية على إثبات الصانع :
لو تحقّق موجود ، لوجد الواجب ، لكن الموجود قد تحقّق ، النتيجة : الواجب موجود ، وإنما كانت النتيجة ما ذكر ؛ لأن استثناء عين المقدّم ينتج عين التالي ، ثم إن المحتاج للإثبات في هذا الدليل هو الملازمة ، وأما المقدّم فهو ثابت بالمشاهدة ودليل الملازمة :
أن ذلك الموجود إن كان واجبا ، فقد تم المطلوب ، وإن كان ممكنا ، فلا بدّ له من سبب ، وذلك السبب إن كان واجبا ، فقد تم المطلوب ، وإن كان ممكنا ، فلا يخلو عن واحد من أمور ثلاثة : إما أن ينتهي إلى واجب ، وإما أن يدور أو يتسلسل ـ وكل من الدور والتسلسل محال ـ ؛ فتعين الثالث ، وهو أن السبب واجب ؛ وهو المطلوب.
وإذا جال الإنسان بنظره وفكره الثاقب في هذا العالم وما فيه من الكائنات ـ مع ما فيها من لطف التدبير ، وصواب التقدير ، وإتقان الصنعة ـ وأدرك شيئا من خواصّها ومزاياها ـ لا يسعه إلا أن يعتقد أن لها موجدا ، حكيما مختارا في تصرفه ، قديما منزّها عن كل نقص ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه موجود ولإيضاح ذلك أسرد لك عدة أمور من الكائنات التي تشاهدها ببصرك مع بيان شيء من منافعها ومزاياها وإبطال القول بقدم العالم ينبني على ذكر شبه القوم القائلين بقدم العالم وإبطالها ، فنقول :
نظر المادّيّون في كيفية تكوين العالم نظرة قاصرة ، ولم تسع عقولهم ما وراء المحسوس ، فقالوا : إن ـ