ورابعها : الإيمان بالكتب.
__________________
ـ العالم يصدر بعضه عن بعض بواسطة الطبيعة ، إلى غير ذلك مما أسرفوا فيه القول ، وفيما يلي ذلك نذكر شبههم ، ونكرّ عليها بالإبطال :
الشبهة الأولى :
قالوا : لو كانت الأجسام محدثة ، لكان محدثها قبل أن يحدثها فاعلا لتركها ، وتركها لا يخلو من أن يكون جسما أو عرضا ، وهذا يوجب أن الأجسام والأعراض موجودة في الأزل فتكون قيمة. الجواب عن هذه الشبهة أن نقول :
قولكم : إن ترك الفعل لا يخلو من أن يكون جسما أو عرضا إلى آخر ما ذكرتم تقسيم فاسد ظاهر البطلان ؛ وذلك لأن الجسم ذو أبعاد ثلاثة : الطول ، والعرض ، والعمق ، وترك الفعل لا يوصف بطول ، ولا عرض ، ولا عمق ، فترك الفعل من الله تعالى للجسم والعرض ليس جسما ، والعرض هو الوصف الملازم للجسم ، وترك الفعل من الله للجسم والعرض ليس وصفا بشيء ؛ فلا يكون عرضا ، فترك الفعل من الله تعالى للجسم والعرض ليس جسما ولا عرضا ، وإنما هو عدم محض ، والعدم المحض ليس بشيء ، وترك الفعل من الله تعالى ليس فعلا ألبتة ، بخلاف صنعة خلقه ؛ لأن ترك الفعل من المخلوق فعل. برهان ذلك : أن ترك الفعل من المخلوق لا يكون إلا بفعل آخر ؛ كترك الحركة لا يكون إلا بفعل السكون ؛ وكتارك القيام لا يكون إلا بفعل آخر ؛ كفعل الجلوس ، أو النوم ، أو غير ذلك.
ويظهر أن الذي سهّل عليهم هذا القول : هو قياس الغائب على الشاهد ؛ فإنهم لما رأوا أن عدم الفعل من المخلوق يكون بفعل آخر ، قاسوا الغائب عليه ، ورتّبوا ذلك الإنكار ، ولو رجعوا إلى قول الأكابر من رؤسائهم ، ما تعلقوا بهذه الشبهة ـ فقد نسب إلى أكابر الماديين أنهم قالوا :
إن قياس الغائب على الشاهد قياس خدّاع ؛ لأنه كثيرا ما يخدع الإنسان ويوقعه في الغلط ، فلا يصحّ التعويل عليه ، فصح أن فعل الباري ـ تعالى ـ غير فعل خلقه ، وأن تركه للفعل ليس فعلا ؛ فبطل ما قالوا.
«الشبهة الثانية» :
قالوا : إن العقل لا يمكن أن يتصوّر موجودا ليس من جنس المخلوقات فلا يكون جسما ولا مادة جسم ولا صورة جسم ولا آخذا قدرا من الفراغ ، وحيث لا يمكن تصور موجود بهذه الصفة ، فلا يمكن التصديق بوجوده ؛ لأن التصديق بالوجوع فرع التصور.
«الجواب عن هذه الشبهة» :
نقول لهم : قد اتفقتم معنا على أن تكوّن العالم ـ سواء كان علويّا أو سفليّا ـ على هذه الحالة التي نشاهدها ـ حدث بعد أن لم يكن ، ولا إخالكم تخالفوننا في أنّ ذلك العالم بلغ من الإتقان ، والإحكام ، والصنع الغريب ما حارت أولو الألباب في اكتناهه ، وعجزت المراصد عن إحصائه ، ووقف علماء الفلك حيارى أمام بدائعه.
ولا شك أن العقل يجزم أن إتقان الأثر يدل على عظمة المؤثّر ، والمبدع ؛ ألا ترى أنهم يستدلون بما يشاهد من أعمال النّفوس ، والآثار العظيمة الباقية من زمن الأمم الغابرة ـ على رقيّ تلك الأمم ، وتقدمها في العلوم والصنائع.
وإلى جانب هذا ؛ انظر إلى منزلة الإنسان من حيث الإدراك تجد أنك لو قارنت بين ما يجهله وما يعلمه ، وسلكت طريق الإنصاف ـ لكانت نسبة المعلوم إلى المجهول كنقطة ماء في بحر ، أو ذرة من رمال ، بل لو نظرت إلى الأشياء التي دخلت تحت دائرة معلوماته ، تجده بعد إعمال فكره وكثرة بحثه ـ