وعن الثّالث : أنّه ندبه لما بينهما من أصل الإقرار والاعتقاد.
والجواب : أنّ هذه الوجوه كلّها تقتضي تقييد الأخوّة بزمان دون زمان ، وبصفة دون صفة ، والله تعالى أثبت الأخوّة على الإطلاق ، وهذا الجواب لا يردّ ما ذكروه في الوجه الثاني من قولهم : المراد بالأخوّة الّتي بين وليّ الدم والمقتول ؛ كأنه قيل : «فمن عفي له بسبب أخيه المقتول شيء والمراد : الدّية ، فليتّبع وليّ الدّم القاتل بالمعروف ، وليؤدّ القاتل الدية إلى وليّ الدّم بإحسان ؛ وحينئذ يحتاج هذا إلى جواب.
أحدها : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، فقدره ابن عطيّة ـ رحمهالله تعالى ـ والواجب الاتباع وقدّره الزمخشريّ : «فالأمر اتّباع».
قال ابن عطيّة (١) : وهذا سبيل الواجبات ، وأمّا المندوبات ، فتجيء منصوبة ؛ كقوله (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] قال أبو حيّان (٢) : ولا أدري ما الفرق بين النّصب والرفع ، إلّا ما ذكروه من أنّ الجملة الاسمية أثبت وآكد ؛ فيمكن أن يكون مستند ابن عطيّة هذا ، كما قالوا في قوله : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [هود : ٦٩].
الثاني : أن يرتفع بإضمار فعل ، وقدره الزمخشري : «فليكن اتباع» قال أبو حيّان (٣) : هو ضعيف ؛ إذ «كان» لا تضمر غالبا إلّا بعد «إن» الشّرطيّة و «لو» ؛ لدليل يدلّ عليه.
الثالث : أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ، فمنهم : من قدّره متقدّما عليه ، أي : «فعليه اتباع» ومنهم : من قدّره متأخّرا عنه ، أي : «فاتّباع بالمعروف عليه».
قوله «بالمعروف» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يتعلّق ب «اتّباع» فيكون منصوب المحلّ.
الثاني : أن يكون وصفا لقوله «اتّباع» فيتعلّق بمحذوف ويكون محلّه الرفع.
الثالث : أن يكون في محلّ نصب على الحال من الهاء المحذوفة ، تقديره : «فعليه اتّباعه عادلا» والعامل في الحال معنى الاستقرار.
قوله (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) في رفعه أربعة أوجه ، الثلاثة المقولة في قوله : فاتّباع ؛ لأنّه معطوف عليه.
[والرابع : أن يكون مبتدأ خبره الجارّ والمجرور بعده ، وهو «بإحسان» ، وهو بعيد ، و «إليه» في محلّ نصب ؛ لتعلّقه ب «أداء» ، ويجوز أن يكون في محلّ رفع ؛ صفة ل «أداء» فيتعلّق بمحذوف ، أي : و «أداء كائن إليه».
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٤٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ١٦.
(٣) ينظر : المصدر السابق.