وثانيها : أنه لا منافاة بين ثبوت الميراث بحكم الآيتين.
وثالثها : لو قدرنا حصول المنافاة ، لكان يمكن جعل آية المواريث لإخراج القريب الوارث ، ويبقى القريب الذي لا يكون وارثا داخلا تحت هذه الآية ؛ وذلك لأن من الوالدين من يرث ، ومنهم من لا يرث بسبب اختلاف الدّين أو الرّقّ ، أو القتل ، ومن الأقارب الذين لا يسقطون في فريضة : من لا يرث بهذه الأسباب الخارجية ومنهم : من يسقط في حال ، ويثبت في حال ، ومنهم : من يسقط في كل حال.
فمن كان من هؤلاء وارثا ، لم تجز الوصيّة له ، ومن كان منهم غير وارث ، صحّت الوصيّة له ، وقد أكّد الله تعالى ذلك بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] ، وبقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) [النحل : ٩٠] ، والقائلون بالنسخ : اختلفوا بأي دليل صارت منسوخة ، فقال بعضهم (١) : بإعطاء الله أهل المواريث كل ذي حقّ حقّه.
قال ابن الخطيب (٢) وهذا بعيد ؛ لأنه لا يمتنع مع قدر من الحق بالميراث وجوب قدر آخر بالوصيّة ، وأكثر ما يوجبه ذلك التّخصيص ، والنّسخ (٣).
فإن قيل : لا بدّ وأن تكون منسوخة في حقّ من لم يخلف إلا الوالدين من حيث يصير كلّ المال حقّا لهم ؛ بسبب الإرث ، فلا يبقى للوصيّة شيء؟!
فالجواب : أن هذا تخصيص ، لا نسخ.
وقال بعضهم (٤) أيضا : إنها نسخت بقوله ـ عليهالسلام ـ ، «لا وصيّة لوارث» ، وفيه إشكال ؛ من حيث إنّه خبر واحد ، فلا يجوز نسخ القرآن به (٥) ، فإن قيل : بأنه ، وإن كان
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٥٣.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٥٣.
(٣) معلوم أن التخصيص والنسخ يشتركان في أن كلّ واحد منهما بيان ما لم يرد باللفظ ، إلا أنهما يفترقان في أمور : وهي أن التخصيص يبيّن أن العام لم يتناول المخصوص ، والنسخ ويرفع بعد الثبوت ؛ وأن التخصيص لا يرد إلا على العامّ ، والنسخ يرد عليه وعلى غيره ؛ وأنه يجب أن يكون متّصلا ، والنسخ لا يكون إلا متراخيا ؛ وأنه لا يجوز ألّا يبقى شيء ، والنسخ يجوز ؛ وأنه قد يكون بأدلة السمع وغيرها والنسخ لا يجوز إلا بالسمع ؛ وأنه يكون معلوما ومجهولا ، والنسخ لا يكون معلوما ؛ وأنه لا يخرج المخصوص منه من كونه معمولا به في مستقبل الزمان ، والنسخ يخرج المنسوخ عن ذلك ؛ وأنه يرد في الأخبار والأحكام ، والنسخ لا يرد إلا في الأحكام ؛ وأن دليل الخصوص يقبل التعليل ، ودليل النسخ لا يقبله.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ٥ / ٥٤.
(٥) واستدل المثبتون لهذا النوع بأدلة من النسخ «أولا» أن نسخ المتواتر بالآحاد قد وقع ؛ وهو أن التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالسّنة المتواترة ؛ إذ ليس في كتاب الله ما يدلّ عليه ، ونسخ بالآحاد ؛ وهو أن أهل مسجد قباء سمعوا منادي الرسول صلىاللهعليهوسلم يقول «ألا إن القبلة قد حوّلت» فاستداروا وتوجّهوا ، ولم ينكر عليهم الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ. ـ