والإنجيل لثلاث عشرة ، والقرآن لأربع وعشرين» (١).
فإن قيل : إنّ القرآن نزل على محمّد صلىاللهعليهوسلم في مدّة ثلاث وعشرين سنة منجّما مبعّضا ، فما معنى تخصيص إنزاله برمضان؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أنّ القرآن أنزل في ليلة القدر جملة إلى سماء الدنيا ، ثمّ نزل إلى الأرض نجوما.
روى مقسّم عن ابن عبّاس (٢) أنه سئل عن قوله عزوجل : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) وقوله (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] ، وقوله (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) [الدخان : ٣] وقد نزل في سائر الشّهور ، وقال عزوجل : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) [الإسراء : ١٠٦] فقال : أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان إلى بيت العزّة في السماء الدّنيا ، ثم نزل به جبريل ـ عليهالسلام ـ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم نجوما في ثلاث وعشرين سنة (٣) ، فذلك قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة : ٧٥] وقال داود بن أبي هند : قلت للشّعبيّ : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) أما كان ينزل في سائر السنّة؟ قال : بلى ، ولكن جبريل كان يعارض محمّدا صلىاللهعليهوسلم في رمضان ما أنزل الله إليه فيحكم الله ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، وينسيه ما يشاء (٤).
وروي عن أبي ذرّ ، عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «أنزلت صحف إبراهيم في ثلاث ليال مضين من شهر رمضان» (٥) ويروى : «في أوّل ليلة من رمضان» وأنزلت توراة موسى في ستّ ليال مضين من شهر رمضان ، وأنزل إنجيل عيسى في ثلاث عشرة ليلة من رمضان ، وأنزل زبور داود في ثمان عشرة ليلة مضت من رمضان ، وأنزل الفرقان على محمّد صلىاللهعليهوسلم لأربع وعشرين خلت من رمضان ، ولستّ بقين بعدها (٦) ، وسنذكر الحكمة في إنزاله منجما مفرّقا في سورة «الفرقان» عند قوله : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢].
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٤ / ٧٢.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥١.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٤٥) من حديث ابن عباس موقوفا.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥١.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٥١.
(٦) أخرجه أحمد (١٧٠٥١ ـ شاكر) والطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٤٦) والطبراني في «الكبير» والأوسط كما في «مجمع الزوائد» (١ / ٢٠١) وقال : وفيه عمران بن داود القطان ضعفه يحيى ووثقه ابن حبان وقال أحمد : أرجو أن يكون صالح الحديث وبقية رجاله ثقات.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٤٢) وزاد نسبته لمحمد بن نصر وابن أبي حاتم والبيهقي في «الشعب» والأصبهاني في «الترغيب».