والثاني : أنه مشتقّ عنده من قرنت بين الشيئين ، فيكون وزنه على هذا «فعالا» وعلى الأول «فعلانا» وذلك أنه قد قرن فيه بين السّور ، والآيات ، والحكم ، والمواعظ.
وقال الفرّاء : أظنّ أنّ القرآن سمّي من القرائن ، وذلك أنّ الآيات يصدّق بعضها بعضا على ما قال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢].
وأما قول من قال : إنّه مشتقّ من قريت الماء في الحوض ، أي : جمعته ، فغلط ؛ لأنّهما مادّتان متغايرتان.
وروى الواحديّ في «البسيط» (١) عن محمّد بن عبد الله بن الحكم ، أنّ الشافعيّ ـ رضي الله عنه ـ كان يقول القرآن اسم ، وليس بمهموز ، ولم يؤخذ من «قرأت» ، وإنما هو اسم لكتاب الله ؛ مثل التوراة والإنجيل ، قال : ويهمز قراءة ، ولا يهمز القرآن ، كما يقول : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) [الإسراء : ٤٥] قال الواحديّ (٢) ـ رحمهالله ـ : وقول الشافعيّ ـ رضي الله عنه ـ أنّه اسم لكتاب الله تعالى ، يشبه أنه ذهب إلى أنه غير مشتقّ ، والذي قال بأنّه مشتقّ من القرء ، وهو الجمع ، أي : جمعته ، هو الزّجّاج وأبو عبيدة (٣) ، قالا : إنّه مأخوذ من القرء وهو الجمع.
قال عمرو بن كلثوم :
٩٤٣أ ـ .......... |
|
هجان اللّون لم تقرأ جنينا |
أي : لم تجمع في رحمها ولدا ، ومن هذا الأصل : قرء المرأة ، وهو أيّام اجتماع الدّم في رحمها ، فسمّي القرآن قرآنا ، لأنه يجمع السّور وينظمها.
وقال قطرب (٤) : سمّي قرآنا ؛ لأنّ القارىء يكتبه ، وعند القراءة كأنّه يلقيه من فيه أخذا من قول العرب : ما قرأت النّاقة سلى قطّ ، أي : ما رمت بولد ، وما أسقطت ولدا قطّ ، وما طرحت ، وسمّي الحيض قرءا بهذا التّأويل ، فالقرآن [يلفظه القارىء] من فيه ، ويلقيه ، فسمّي قرآنا.
و «القرآن» مفعول لم يسمّ فاعله ؛ ثم إنّ المقروء يسمّى قرآنا ؛ لأن المفعول يسمّى بالمصدر ؛ كما قالوا للمشروب شراب ، وللمكتوب كتاب. واشتهر هذا الاسم في العرف ؛ حتّى جعلوه اسما لكتاب الله تعالى على ما قاله الشّافعيّ ـ رضي الله عنه.
ومعنى «أنزل فيه القرآن» ، أي : ظرف لإنزاله.
قيل : «نزلت صحف إبراهيم في أوّل يوم من رمضان ، وأنزلت التوراة لستّ مضين ،
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٣.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٣.
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٤.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ٧٤.