قوله : (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) جملة حالية من فاعل «تباشروهنّ» ، والمعنى : «لا تباشروهنّ» ، وقد نويتم الاعتكاف في المسجد ، وليس المراد النهي عن مباشرتهنّ في المسجد بقيد الاعتكاف ؛ لأنّ ذلك ممنوع منه في غير الاعتكاف أيضا.
والعكوف : الإقامة والملازمة له وهو في الشّرع : لزوم المسجد لطاعة الله تعالى فيه ، يقال : عكف بالفتح يعكف بالضم والكسر ، وقد قرىء (١) : (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ) [الأعراف : ١٣٨] بالوجهين ، وقال الفرزدق : [الطويل]
٩٦٢ ـ ترى حولهنّ المعتفين كأنّهم |
|
على صنم في الجاهليّة عكّف (٢) |
وقال الطّرمّاح : [الطويل]
٩٦٣ ـ فباتت بنات اللّيل حولي عكّفا |
|
عكوف البواكي بينهنّ صريع (٣) |
ويقال : الافتعال منه في الخير ، والانفعال في الشّرّ ، وأمّا الاعتكاف في الشرع : فهو إقامة مخصوصة بشرائط ، والكلام فيه بالنسبة إلى الحقيقة الشرعية كالكلام في الصلاة ، وقرأ قتادة (٤) : «عكفون» كأنه يقال : عاكف وعكف ؛ نحو : «بارّ وبرّ ورابّ
__________________
ـ الأحوص عن سماك ، وأخرجه الطحاوي كذلك من رواية قيس بن الربيع عن سماك ، ثم ذكر البيهقي حديثا عن الخدري ، وفي آخره : (أفطر وصم يوما مكانه إن شئت) ، قلت : أخرجه الدراقطني من حديث الخدري ، ومن حديث جابر ، وليس فيهما قوله : إن شئت ، وكذا أخرجه البيهقي في أبواب «الوليمة» في كتاب «النكاح» من حديث الخدري. وفي «التلخيص» قال الحافظ (٢ / ٢٢٣) ، كتاب الصيام : باب ذكر الإشارة إلى طرق حديث : «أفطر الحاجم والمحجوم» باختصار النسائي ، من حديث حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن هارون بن هانىء بهذا ، ورواه من طرق أخرى وليس فيها قوله : فإن شئت فاقضيه ، رواه أحمد وأبو داود ، والترمذي ، والدارقطني ، والطبراني ، والبيهقي من طرق عن سماك ، واختلف فيه على سماك.
وقال النسائي : سماك ليس يعتمد عليه إذا انفرد ، وقال البيهقي : في إسناده مقال وقال ابن القطان : هارون لم يعرف اللفظ الذي ذكره الرافعي ، أورده قاسم بن أصبغ في جامعه ، ومما يدلّ على غلط سماك فيه : أنه قال في بعض الروايات عنه : إن ذلك كان يوم الفتح ، وهي عند النسائي والطبراني ؛ ويوم الفتح كان في رمضان ، فكيف يتصوّر قضاء رمضان في رمضان ، والحاكم (١ / ٤٣٩) ، كتاب الصوم : باب صوم التطوع ، وكان بلفظ أم هانىء رضي الله عنها ؛ أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كان يقول : الصائم المتطوع أمير نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر.
قال الذهبي ـ رحمهالله تعالى : ـ صحيح ، وما عارض هذا لم يصح ، والبيهقي (٢ / ١٧٤) ، كتاب الصيام : باب الشهادة على رؤية الهلال. قال : مثل قول أبي عوانة قوله : يحيى بن حصدة وهم من الوليد ، وهو ضعيف ، والطحاوي (٢ / ١٠٧) ، كتاب الصوم : باب الرجل يدخل في الصّيام تطوّعا ثم يفطر.
(١) ستأتي في الأعراف ١٣٨.
(٢) ينظر : ديوانه (٥٦١) والبحر المحيط ٢ / ٣٤ ، والدر المصون ١ / ٤٧٦.
(٣) ينظر : ديوانه (٥٦١) ، واللسان «نبو» والطبري ٢ / ٢٢٢ والدر المصون ١ / ٤٧٦.
(٤) وقرأ بها مجاهد.
انظر : الشواذ ١٢ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٥٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٦٠ ، والدر المصون ١ / ٤٧٦.