وأجاز أبو البقاء أن يكون «أو به أذى» معطوفا على «كان» ، وأعرب «به» خبرا مقدّما متعلّقا بالاستقرار ، و «أذى» مبتدأ موخّرا ، والهاء في «به» عائدة على «من». وخطّأه أبو حيان فيه ، قال : لأنّه كان قد قدّم أن «من» شرطية ، وعلى هذا التّقدير يكون خطأ ، لأنّ المعطوف على جملة الشّرط شرط ، والجملة الشّرطية لا تكون إلا فعليّة ، وهذه كما ترى جملة اسميّة على ما قرّره. فكيف تكون معطوفة على جملة الشّرط التي يجب أن تكون فعلية؟ فإن قيل : فإذا جعلنا «من» موصولة ، فهل يصحّ ما قاله من كون «به أذى» معطوفا على «كان»؟ فالجواب أنه لا يصحّ أيضا ؛ لأنّ «من» الموصولة إذا ضمّنت معنى اسم الشّرط لزم أن تكون صلتها جملة فعلية ، أو ما هي في قوّتها. والباء في «به» يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون للإلصاق.
والثاني : أن تكون ظرفية.
والأذى مصدر بمعنى الإيذاء ، وهو الألم يقال آذاه يؤذيه إيذاء وأذى ، فكان الأذى مصدر على حذف الزّوائد ، أو اسم مصدر كالعطاء اسم للإعطاء ، والنّبات للإنبات. قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ «فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه» أي برأسه قروح ، «أو به أذى» ، أي : قمل» (١).
قوله : «من رأسه» فيه وجهان.
أحدهما : أنّه في محلّ رفع ؛ لأنّه صفة لأذى ، أي : أذى كائن من رأسه.
والثّاني : أن يتعلّق بما يتعلّق «به» من الاستقرار ، وعلى كلا التّقديرين تكون «من» لابتداء الغاية.
قوله : «ففدية» في رفعها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون مبتدأ والخبر محذوف ، أي : فعليه فدية.
والثّاني : أن تكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : فالواجب عليه فدية.
والثّالث : أن تكون فاعل فعل مقدّر ، أي فتجب عليه فدية. وقرىء شاذّا : «ففدية» نصبا ، وهي على إضمار فعل ، أي : فليفد فدية. و «من صيام» في محلّ رفع ، أو نصب على حسب القراءتين صفة ل «فدية» ، فيتعلّق بمحذوف ، و «أو» للتّخيير ، ولا بدّ من حذف فعل قبل الفاء تقديره : فحلق ففدية.
وقرأ الحسن (٢) والزّهريّ «نسك» بسكون السّين ، وهو تخفيف المضموم. وفي النّسك قولان :
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» ٤ / ٥٧ ، عن قتادة وعطاء ومجاهد وابن عباس بمعناه.
(٢) انظر : الشواذ ١٢ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٦٨ ، البحر المحيط ٢ / ٨٤ ، الدر المصون ١ / ٤٨٧.