التّخيير ، فإنّ التّخيير يكون في الواجبات ، وقد ذكر النّحويّون الفرق بين التّخيير ، والإباحة».
وقد ذكر ابن الخطيب (١) قول الزّمخشري هذا المتقدّم ، وذكر وجوها أخر :
منها : أن المعتاد أن يكون البدل أضعف حالا من المبدّل ، فبيّن الله تعالى أنّ هذا البدل ليس كذلك ، بل هو كامل في كونه قائما مقام المبدّل ، فيكون الصائم ساكن النّفس إلى حصول الأجر الكامل من عند الله ، وذكر العشرة ليتوصل به إلى قوله «كاملة» ؛ لأنّه لو قال : «تلك كاملة» ؛ لجاز أن يراد به الثّلاثة المفردة عن السّبعة والسّبعة المفردة عن الثّلاثة ، فلا بدّ من ذكر العشرة.
وقوله : «كاملة» يحتمل بيان الكمال من ثلاثة أوجه : إمّا أن تكون كاملة في البدل عن الهدي قائمة مقامه لا تنقص عنه ، أو أنّ ثوابها مثل ثواب القادر على الهدي ، أو أنّ حجّ المتمتع الصّائم كاملا كحج من لم يتمتّع.
ومنها أنّ الله تبارك وتعالى لو قال أوجبت عليك صيام عشرة أيّام ، لم يبعد أن يكون دليل يقتضي خروج بعض هذه الأيّام ، فإنّ تخصيص العام كثير في الشّرع ، فلما قال «تلك عشرة» كان ذلك تنصيصا على أنّ المخصص لم يوجد البتّة ، فيكون أقوى دلالة ، وأبعد من احتمال التّخصيص والنّسخ.
ومنها أنّ التّوكيد طريقة مشهورة في كلام العرب كقوله (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦] ، وقوله (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] وفائدة التوكيد أنّ الكلام المعبّر عنه بالعبارات الكثيرة الشّريفة وبالصّفات الكثيرة ، أبعد عن السّهو والنّسيان من الكلام المعبّر عنه بعبارة واحدة ، وكونه معبرا عنه بعبارات كثيرة يدلّ على كونه مشتملا على مصالح عظيمة ، لا يجوز الإخلال بها ، فإذا كان التّوكيد مشتملا على هذه الحكمة كان ذكره هنا دالّا على رعاية هذا العدد في هذا الصّوم ، فإنّه من المهمّات التي لا يجوز إهمالها ألبتّة.
ومنها أنّ هذا الكلام يزيل الإبهام الذي في تصحيف الخطّ ، فإنّ سبعة ، وتسعة متشابهان في الخطّ ، فلمّا قال بعده : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) ؛ أزال هذا الاشتباه.
ومنها : أنّ قوله (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) يحتمل أن يكون المراد : أن يكون الواجب بعد الرّجوع أنّ يكمل صيام سبعة أيّام ، على أنّه يحسب الثّلاثة المتقدّمة منها ، ويكمل عليها أربعة ، فلما قال «تلك عشرة» ؛ أزال هذا الاحتمال.
ومنها : أن هذا خبر ، ومعناه الأمر ، أي : تلك عشرة فأكملوها ولا تنقصوها.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ٥ / ١٣٣.