وعرفات اسم مكان مخصوص ، وهل هو مشقّ أو مرتجل؟ قولان :
أحدهما : أنه مرتجل ، وإليه ذهب الزمخشريّ ، قال : «لأنّ العرفة لا تعرف في أسماء الأجناس ؛ إلا أن تكون جمع عارف».
والثّاني : أنه مشتقّ ، واختلف في اشتقاقه ، فقيل : من المعرفة ؛ لأنّ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لمّا عرّفه جبريل هذه البقعة بالنّعت ، والصّفة ؛ فسمّيت «عرفات» قاله عليّ ، وابن عبّاس وعطاء والسّدّيّ (١).
قال السّدّيّ : لمّا أذّن إبراهيم في الناس بالحجّ ، فأجابوه : بالتّلبية ، وأتاه من أتاه ـ أمره الله أن يخرج إلى عرفات ، ونعتها له ، فخرج ، فلمّا بلغ الشجرة عند العقبة ، استقبله الشيطان ؛ يردّه ؛ فرماه بسبع حصيات ، يكبّر مع كلّ حصاة ، فطار ، فوقع على الجمرة الثّانية ؛ فرماه وكبّر [فطار ، فوقع على الجمرة الثالثة ؛ فرماه وكبّر](٢) ، فلمّا رأى الشّيطان أنّه لا يطيعه ؛ ذهب ، فانطلق إبراهيم حتّى أتى ذا المجاز ، فلمّا نظر إليه ، لم يعرفه ، فجاز فسمّي ذا المجاز ، ثمّ انطلق حتّى وقف بعرفات فعرفها بالنّعت ؛ فسمّي الموقف «عرفة» والموضع «عرفات» ، حتى إذا أمسى ازدلف أي قرب إلى جمع فسمّي المزدلفة (٣).
وقال عطاء : إنّ جبريل ـ عليهالسلام ـ علّم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ المناسك ، وأوصله إلى عرفات ، وقال له : أعرفت كيف تطوف ، وفي أي موضع تقف؟ قال : نعم (٤).
وقيل : إن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وضع ابنه إسماعيل وأمّه هاجر بمكّة ، ورجع إلى الشّام ولم يلتقيا سنين ، ثم التقيا يوم عرفة بعرفات (٥).
وقال الضّحّاك : إنّ آدم وحوّاء ـ عليهماالسلام ـ التقيا بعرفة ، فعرف كلّ واحد منهما صاحبه ؛ فسمّي اليوم عرفة والموضع بعرفات ؛ وذلك أنّهما لمّا أهبطا من الجنّة ، وقع آدم بسرنديب ، وحوّاء بجدّة ، وإبليس ببيسان والحية ب «أصفهان» ، فلمّا أمر الله ـ تعالى ـ آدم ـ عليهالسلام ـ بالحجّ ، لقي حواء بعرفات فتعارفا ، قاله ابن عبّاس (٦).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ١٧٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٠١) وزاد نسبته لوكيع وابن المنذر.
(٢) سقط في ب.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ١٧٢ ـ ١٧٣) عن السدي.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ١٧٤) عن عطاء من قوله وأخرجه الطبري أيضا (٤ / ١٧٣) عن ابن عباس بمعناه.
(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٤٨.
(٦) أخرجه الديلمي في «مسند الفردوس» كما في الدر المنثور (١ / ١١٩).